للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: ﴿لِيُضِلَّ عَنْ سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أي: إنما يصنع هذا للتخالف للإسلام وأهله، وعلى قراءة فتح الياء (١) تكون اللام لام العاقبة أو تعليلًا للأمر القدري؛ أي: قيضوا لذلك ليكونوا كذلك.

وقوله تعالى: ﴿وَيَتَّخِذَهَا هُزُوًا﴾ قال مجاهد: ويتخذ سبيل الله هزوًا يستهزئ بها (٢). وقال قتادة: يعني ويتخذ آيات الله هزوًا (٣)، وقول مجاهد أولى.

وقوله: ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ مُهِينٌ﴾ أي: كما استهانوا بآيات الله وسبيله أهينوا يوم القيامة في العذاب الدائم المستمر.

ثم قال تعالى: ﴿وَإِذَا تُتْلَى عَلَيْهِ آيَاتُنَا وَلَّى مُسْتَكْبِرًا كَأَنْ لَمْ يَسْمَعْهَا كَأَنَّ فِي أُذُنَيْهِ وَقْرًا﴾ أي: هذا المقبل على اللّهو واللَّعب والطرب إذا تليت عليه الآيات القرآنية ولَّى عنها وأعرض وأدبر وتصامم، وما به من صمم، كأنه ما سمعها لأنه يتأذى بسماعها إذ لا انتفاع له بها ولا أرب له فيها، ﴿فَبَشِّرْهُ بِعَذَابٍ أَلِيمٍ﴾ أي: يوم القيامة، يؤلمه كما تألم بسماع كتاب الله وآياته.

﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ (٨) خَالِدِينَ فِيهَا وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (٩)﴾.

هذا ذكرُ مآل الأبرار من السعداء في الدار الآخرة، الذي آمنوا بالله وصدقوا المرسلين، وعملوا الأعمال الصالحة التابعة لشريعة الله ﴿لَهُمْ جَنَّاتُ النَّعِيمِ﴾ أي: يتنعمون فيها بأنواع الملاذ والمسار من المآكل والمشارب والملابس والمساكن والمراكب والنساء والنضرة والسماع، الذي لم يخطر ببال أحد وهم في ذلك مقيمون دائمًا لا يظعنون دائمًا ولا يبغون عنها حولًا.

وقوله تعالى: ﴿وَعْدَ اللَّهِ حَقًّا﴾ أي: هذا كائن لا محالة لأنه من وعد الله، والله لا يخلف الميعاد، لأنه الكريم المنَّان الفعَّال لما يشاء القادر على كل شيء ﴿وَهُوَ الْعَزِيزُ﴾ الذي قهر كل شيء ودان له كل شيء ﴿الْحَكِيمُ﴾ في أقواله وأفعاله، الذي جعل القرآن هدىً للمؤمنين ﴿قُلْ هُوَ لِلَّذِينَ آمَنُوا هُدًى وَشِفَاءٌ وَالَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ فِي آذَانِهِمْ وَقْرٌ وَهُوَ عَلَيْهِمْ عَمًى﴾ [فصلت: ٤٤]. ﴿وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاءٌ وَرَحْمَةٌ لِلْمُؤْمِنِينَ وَلَا يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إِلَّا خَسَارًا (٨٢)[الإسراء]

﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ تَرَوْنَهَا وَأَلْقَى فِي الْأَرْضِ رَوَاسِيَ أَنْ تَمِيدَ بِكُمْ وَبَثَّ فِيهَا مِنْ كُلِّ دَابَّةٍ وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ كَرِيمٍ (١٠) هَذَا خَلْقُ اللَّهِ فَأَرُونِي مَاذَا خَلَقَ الَّذِينَ مِنْ دُونِهِ بَلِ الظَّالِمُونَ فِي ضَلَالٍ مُبِينٍ (١١)﴾.

يبيِّن سبحانه [بهذا] (٤) قدرته العظيمة على خلق السماوات والأرض، وما فيها وما بينهما، فقال تعالى: ﴿خَلَقَ السَّمَاوَاتِ بِغَيْرِ عَمَدٍ﴾ قال الحسن وقتادة: ليس لها عمد مرئية ولا غير مرئية (٥).


(١) ليَضِل: وهي قراءة متواترة.
(٢) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٣) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة بمعناه.
(٤) كذا في (ح) و (حم)، وفي الأصل: "بذا".
(٥) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة والحسن بلفظ: ليس لها عمد.