للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ولهذا قال: ﴿إِنَّ أَنْكَرَ الْأَصْوَاتِ لَصَوْتُ الْحَمِيرِ﴾، قال مجاهد وغير واحد: إن أقبح الأصوات لصوت الحمير (١)؛ أي: غاية من رفع صوته أنه يشبه بالحمير في علوه ورفعه، ومع هذا هو بغيض إلى الله تعالى، وهذا التشبيه في هذا بالحمير، يقتضي تحريمه وذمه غاية الذم، لأن رسول الله قال: "ليس لنا مثل السوء العائد في هبته كالكلب يقيء ثم يعود في قيئه" (٢).

وقال النسائي عند تفسير هذه الآية: حدثنا قتيبة بن سعيد، حدثنا الليث، عن جعفر بن ربيعة، عن الأعرج، عن أبي هريرة، عن النبي قال: "إذا سمعتم صياح الديكة فاسألوا الله من فضله، وإذا سمعتم نهيق الحمير فتعوذوا بالله من الشيطان، فإنها رأت شيطانًا" (٣). وقد أخرجه بقية الجماعة سوى ابن ماجه من طرق عن جعفر بن ربيعة به (٤)، وفي بعض الألفاظ: بالليل، فالله أعلم.

فهذه وصايا نافعة جدًا، وهي من قصص القرآن عن لقمان الحكيم، وقد روي عنه من الحكم والمواعظ أشياء كثيرة، فلنذكر منها أنموذجًا ودستورًا إلى ذلك. قال الإمام أحمد: حدثنا علي بن إسحاق، أخبرنا ابن المبارك، أخبرنا سفيان، أخبرني نهشل بن مجمع الضبي، [عن قزعة] (٥)، عن ابن عمر قال: أخبرنا رسول الله قال: "إن لقمان الحكيم كان يقول: إن الله إذا استودع شيئًا حفظه" (٦).

وروى ابن أبي حاتم: حدثنا أبو سعيد الأشج، حدثنا عيسى بن يونس، عن الأوزاعي، عن موسى بن سليمان، عن القاسم [بن مخيمرة] (٧) أن رسول الله قال: "قال لقمان لابنه وهو يعظه: يا بني إياك والتقنع، فإنه مخوفة بالليل مذمة بالنهار" (٨).

وقال: حدثنا أبي حدثنا عمرو بن عثمان عن ضمرة، حدثنا السدي بن يحيى قال: قال لقمان لابنه: يا بني إن الحكمة أجلست المساكين مجالس الملوك (٩).

وقال أيضًا: حدثنا أبي، حدثنا عبدة بن سليمان، أخبرنا ابن المبارك، حدثنا عبد الرحمن المسعودي، عن عون بن عبد الله قال: قال لقمان لابنه: يا بني إذا أتيت نادي قوم فارمهم بسهم الإسلام؛ يعني: السلام، ثم اجلس في ناحيتهم فلا تنطق حتى تراهم قد نطقوا، فإن أفاضوا في


(١) أخرجه البُستي بسند صحيح من طريق أبان بن تغلب عن مجاهد.
(٢) تقدم تخريجه وصحته في تفسير سورة الأعراف آخر تفسير آية ١٧٧.
(٣) أخرجه النسائي بسنده ومتنه (السنن الكبرى، التفسير ح ١١٣٩١) وسنده صحيح.
(٤) صحيح البخاري، بدء الخلق (ح ٣٣٠١)، وصحيح مسلم، الذكر، باب استحباب الذكر عند صياح الديك (ح ٢٧٧٩)، وسنن أبي داود، الأدب، باب ما جاء في الديك والبهائم، وسنن الترمذي، الدعوات، باب ما يقول إذا سمع نهيق الحمار (ح ٣٤٥٦).
(٥) كذا في (ح) و (حم) ومسند أحمد، وفي الأصل بدون عن قزعة.
(٦) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٢/ ٨٧) وسنده جيد.
(٧) زيادة من (ح) و (حم).
(٨) سنده ضعيف لإرسال القاسم بن مخيمرة وهو تابعي ويتقوى برواية الحاكم فقد أخرجه موصولًا من طريق القاسم بن مخيمرة عن أبي موسى الأشعري وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٤١١).
(٩) سنده مرسل ضعيف.