للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تسري بالليل، قال: "فكانت الريح التي أرسلت عليهم الصبا (١). ورواه ابن أبي حاتم، عن أبي سعيد الأشج، عن حفص بن غياث، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عباس ، فذكره.

وقال ابن جرير أيضًا: حدثنا يونس، حدثنا ابن وهب، حدثني عبيد الله بن عمر، عن نافع، عن عبد الله بن عمر قال: أرسلني خالي عثمان بن مظعون ليلة الخندق في برد شديد وريح إلى المدينة، فقال: أئتنا بطعام ولحاف، قال: فاستأذنت رسول الله فأذن لي وقال: "من أتيت من أصحابي فمرهم يرجعوا قال: فذهبت والريح تسفي كل شيء، فجعلت لا ألقى أحدًا إلا أمرته بالرجوع إلى النبي قال: فما يلوي أحد منهم عنق، قال: وكان معي ترس لي، فكانت الريح تضربه علي، وكان فيه حديد، قال: فضربته الريح حتى وقع بعض ذلك الحديد على كفي فأبعدها إلى الأرض (٢).

وقوله: ﴿وَجُنُودًا لَمْ تَرَوْهَا﴾ هم الملائكة زلزلتهم وألقت في قلوبهم الرعب والخوف، فكان رئيس كل قبيلة يقول: يا بني فلان إِلي، فيجتمعون إِليه، فيقول: النجاء، النجاء لما ألقى الله ﷿ في قلوبهم من الرعب.

وقال محمد بن إِسحاق، عن يزيد بن زياد، عن محمد بن كعب القرظي قال: قال فتى من أهل الكوفة لحذيفة بن اليمان : يا أبا عبد الله رأيتم رسول الله وصحبتموه؟ قال: نعم يا ابن أخي، قال: وكيف كنتم تصنعون؟ قال: والله لقد كنا نجهد، قال الفتى: والله لو أدركناه ما تركناه يمشي على الأرض، ولحملناه على أعناقنا. قال: قال حذيفة : يا ابن أخي والله لو رأيتنا مع رسول الله بالخندق، وصلى رسول الله هويًا من الليل، ثم التفت فقال: "من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم؟ يشترط له النبي أن يرجع أدخله الله الجنة قال: فما قام رجل، ثم صلى رسول الله هويًا من الليل، ثم التفت إلينا فقال مثله، فما قام منا رجل، ثم صلى رسول الله هويًا من الليل، ثم التفت إلينا فقال: "من رجل يقوم فينظر لنا ما فعل القوم ثم يرجع؟ يشترط له رسول الله الرجعة، أسأل الله تعالى أن يكون رفيقي في الجنة" فما قام رجل من القوم من شدة الخوف وشدة الجوع وشدة البرد، فلما لم يقم أحد دعاني رسول الله ، فلم يكن لي بد من القيام حين دعاني، فقال : "يا حذيفة اذهب فأدخل في القوم فانظر ما يفعلون، ولا تحدثنّ شيئًا حتى تأتينا".

قال: فذهبت فدخلت في القوم والريح وجنود الله ﷿ تفعل بهم ما تفعل، لا تقر لهم قرارًا ولا نارًا ولا بناء، فقام أبو سفيان فقال يا معشر قريش، لينظر كل امرئ من جليسه، قال حذيفة : فاخذت بيد الرجل إلى جنبي فقلت: من أنت؟ فقال: أنا فلان بن فلان، ثم قال أبو سفيان: يا معشر قريش إنكم والله ما أصبحتم بدار مقام لقد هلك الكراع والخف، وأخلفتنا بنو قريظة، وبلغنا عنهم الذي نكره، ولقينا من هذه الريح ما ترون، والله ما تطمئن لنا قدر ولا تقوم لنا نار ولا يستمسك لنا بناء، فارتحلوا فإني مرتحل، ثم قام إلى جمله وهو معقول فجلس


(١) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، ورجاله ثقات لكنه مرسل.
(٢) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وسنده صحيح.