للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

السحاب تحمل الماء وأنزله عليها ﴿اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ﴾ [الحج: ٥]، كذلك الأجساد إذا أراد الله تعالى بعثها ونشورها، أنزل من تحت العرش مطرًا [يعم] (١) الأرض جميعًا، ونبتت الأجساد في قبورها كما تنبت الحبة في الأرض ولهذا جاء في الصحيح: "كل ابن آدم يبلى إلا عجب الذنب، منه خلق ومنه يركب" (٢) ولهذا قال تعالى: ﴿كَذَلِكَ النُّشُورُ﴾ وتقدم في الحج حديث أبي رزين قلت: يا رسول الله كيف يحيي الله الموتى؟ وما آية ذلك في خلقه؟ قال : "يا أبا رزين أما مررت بوادي قومك ممحلًا ثم مررت به يهتز خضرًا"؟ قلت: بلى، قال : "فكذلك يحيي الله الموتى" (٣).

وقوله: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا﴾ أي: من كان يحب أن يكون عزيزًا في الدنيا والآخرة فليلزم طاعة الله تعالى، فإنه يحصل له مقصوده لأن الله تعالى مالك الدنيا والآخرة وله العزة جميعًا، كما قال تعالى: ﴿الَّذِينَ يَتَّخِذُونَ الْكَافِرِينَ أَوْلِيَاءَ مِنْ دُونِ الْمُؤْمِنِينَ أَيَبْتَغُونَ عِنْدَهُمُ الْعِزَّةَ فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا (١٣٩)[النساء].

وقال تعالى: ﴿وَلَا يَحْزُنْكَ قَوْلُهُمْ إِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾ [يونس: ٦٥]، وقال: ﴿وَلِلَّهِ الْعِزَّةُ وَلِرَسُولِهِ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَلَكِنَّ الْمُنَافِقِينَ لَا يَعْلَمُونَ﴾ [المنافقون: ٨].

قال مجاهد: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ﴾ بعبادة الأوثان (٤) ﴿فَإِنَّ الْعِزَّةَ لِلَّهِ جَمِيعًا﴾.

وقال قتادة: ﴿مَنْ كَانَ يُرِيدُ الْعِزَّةَ فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا﴾ أي: فليتعزز بطاعة الله ﷿ (٥)، وقيل: من كان يريد علم العزَّة لمن هي ﴿فَلِلَّهِ الْعِزَّةُ جَمِيعًا﴾ وحكاه ابن جرير.

وقوله : ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ يعني: الذكر والتلاوة والدعاء، قاله غير واحد من السلف.

وقال ابن جرير: حدثنا محمد بن إسماعيل الأحمسي، أخبرني جعفر بن عون، عن عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي، عن عبد الله بن المخارق، عن أبيه المخارق بن سليم قال: قال لنا عبد الله هو ابن مسعود : إذا حدثناكم بحديث أتيناكم بتصديق ذلك من كتاب الله تعالى، إن العبد المسلم إذا قال سبحان الله وبحمده والحمد لله، ولا إله إلا الله، والله أكبر تبارك الله، أخذهنَّ ملك فجعلهنَّ تحت جناحه ثم صعد بهن إلى السماء فلا يمر بهنَّ على جمع من الملائكة إلا واستغفروا لقائلهنَّ حتى يجيء بهنَّ وجه الله ﷿، ثم قرأ عبد الله ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ وَالْعَمَلُ الصَّالِحُ يَرْفَعُهُ﴾ (٦).

وحدثنا يعقوب بن إبراهيم، حدثنا ابن علية، أخبرنا سعيد الجريري، عن عبد الله بن شقيق


(١) كذا في (حم)، وفي الأصل صُحف إلى: "نعم".
(٢) تقدم تخريجه في تفسير سورة المؤمنون آية ١٤.
(٣) تقدم تخريجه في تفسير سورة الحج آية ٦.
(٤) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٥) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي عروبة عن قتادة.
(٦) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، وفي سنده عبد الله بن المخارق سكت عنه البخاري في التاريخ الكبير وكذا ابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، وأخرجه الحاكم من طريق عبد الرحمن بن عبد الله المسعودي به، وصححه ووافقه الذهبي (المستدرك ٢/ ٤٢٥).