للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الطير. قال أبو العلاء: ثم يؤتى بالمسلمين، فيقال لهم: ما كنتم تعبدون؟ فيقولون: كنا نعبد الله تعالى فيقال لهم: هل تعرفونه إذا رأيتموه؟ فيقولون: نعم، فيقال لهم: فكيف تعرفونه ولم تروه؟ فيقولون: نعلم أنه لا عدل له. قال: فيتعرف لهم وتقدس وينجي الله المؤمنين (١).

﴿وَيَقُولُونَ أَئِنَّا لَتَارِكُو آلِهَتِنَا لِشَاعِرٍ مَجْنُونٍ (٣٦)﴾ أي: أنحن نترك عبادة آلهتنا وآلهة آبائنا عن قول هذا الشاعر المجنون؟ يعنون: رسول الله . قال الله تعالى تكذيبًا لهم وردًا عليهم: ﴿بَلْ جَاءَ بِالْحَقِّ﴾ يعني: رسول الله جاء بالحق في جميع شرعة الله تعالى له من الأخبار والطلب ﴿وَصَدَّقَ الْمُرْسَلِينَ﴾ أي: صدقهم فيما أخبروا عنه من الصفات الحميدة، والمناهج السديدة، وأخبر عن الله تعالى في شرعه وأمره كما أخبروا: ﴿مَا يُقَالُ لَكَ إِلَّا مَا قَدْ قِيلَ لِلرُّسُلِ مِنْ قَبْلِكَ﴾ الآية [فصلت: ٤٣].

﴿إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ (٣٨) وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٩) إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (٤٠) أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (٤١) فَوَاكِهُ وَهُمْ مُكْرَمُونَ (٤٢) فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٤٣) عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (٤٤) يُطَافُ عَلَيْهِمْ بِكَأْسٍ مِنْ مَعِينٍ (٤٥) بَيْضَاءَ لَذَّةٍ لِلشَّارِبِينَ (٤٦) لَا فِيهَا غَوْلٌ وَلَا هُمْ عَنْهَا يُنْزَفُونَ (٤٧) وَعِنْدَهُمْ قَاصِرَاتُ الطَّرْفِ عِينٌ (٤٨) كَأَنَّهُنَّ بَيْضٌ مَكْنُونٌ (٤٩)﴾.

يقول تعالى مخاطبًا للناس: ﴿إِنَّكُمْ لَذَائِقُو الْعَذَابِ الْأَلِيمِ (٣٨) وَمَا تُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كُنْتُمْ تَعْمَلُونَ (٣٩)﴾ ثم استثنى من ذلك عباده المخلصين كما قال تعالى: ﴿وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [العصر: ١ - ٣]، وقال: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (٤) ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (٥) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ [التين: ٤ - ٦] وقال: ﴿وَإِنْ مِنْكُمْ إِلَّا وَارِدُهَا كَانَ عَلَى رَبِّكَ حَتْمًا مَقْضِيًّا (٧١) ثُمَّ نُنَجِّي الَّذِينَ اتَّقَوْا وَنَذَرُ الظَّالِمِينَ فِيهَا جِثِيًّا (٧٢)[مريم]، وقال: ﴿كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ (٣٨) إِلَّا أَصْحَابَ الْيَمِينِ (٣٩)[المدثر]، ولهذا قال ههنا: ﴿إِلَّا عِبَادَ اللَّهِ الْمُخْلَصِينَ (٤٠)﴾ أي: ليسوا يذوقون العذاب الأليم ولا يناقشون في الحساب بل يتجاوز عن سيئاتهم إن كان لهم سيئات ويجزون الحسنة بعشر أمثالها إلى سبعمائة ضعف إلى أضعاف كثيرة إلى ما شاء الله تعالى من التضعيف.

وقوله: ﴿أُولَئِكَ لَهُمْ رِزْقٌ مَعْلُومٌ (٤١)﴾ قال قتادة والسدي: يعني: الجنة (٢)، ثم فسره بقوله تعالى: ﴿فَوَاكِهُ﴾ أي: متنوعة ﴿وَهُمْ مُكْرَمُونَ﴾ أي: يخدمون ويرفهون وينعمون ﴿فِي جَنَّاتِ النَّعِيمِ (٤٣) عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (٤٤)﴾ قال مجاهد: لا ينظر بعضهم إلى قفا بعض.

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا يحيى بن عبدك القزويني، حدثنا حسان بن حسان، حدثنا إبراهيم بن بشر، حدثنا يحيى بن معين، حدثنا إبراهيم القرشي، عن سعيد بن شرحبيل، عن زيد بن أبي أوفى قال: خرج علينا رسول الله فتلا هذه الآية: ﴿عَلَى سُرُرٍ مُتَقَابِلِينَ (٤٤)﴾ ينظر بعضهم إلى بعض (٣).


(١) سنده مرسل.
(٢) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة، وأخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عن السدي.
(٣) سنده ضعيف، قال البخاري: هذا إسناد مجهول، ولا يعرف سماع بعضهم من بعض (التاريخ الكبير ٣/ ٣٨٦ والصغير ١/ ٢٥٠).