للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: ﴿قُرْآنًا عَرَبِيًّا غَيْرَ ذِي عِوَجٍ﴾ أي: هو قرآن بلسان عربي مبين لا اعوجاج فيه ولا انحراف ولا لبس بل هو بيان ووضوح وبرهان، وإنما جعله الله تعالى كذلك، وأنزله بذلك ﴿لَعَلَّهُمْ يَتَّقُونَ﴾ أي: يحذرون ما فيه من الوعيد ويعملون بما فيه من الوعد.

ثم قال: ﴿ضَرَبَ اللَّهُ مَثَلًا رَجُلًا فِيهِ شُرَكَاءُ مُتَشَاكِسُونَ﴾ أي: يتنازعون في ذلك العبد المشترك بينهم ﴿وَرَجُلًا سَلَمًا﴾ أي: سالمًا ﴿لِرَجُلٍ﴾ أي: خالصًا لا يملكه أحد غيره ﴿هَلْ يَسْتَوِيَانِ مَثَلًا﴾؟ أي: لا يستوي هذا وهذا. كذلك لا يستوي المشرك الذي يعبد آلهة مع الله والمؤمن المخلص الذي لا يعبد إلا الله وحده لا شريك له؟ فأين هذا من هذا؟

قال ابن عباس ومجاهد وغير واحد: هذه الآية ضربت مثلًا للمشرك والمخلص (١).

ولما كان هذا المثل ظاهرًا بينًا جليًا قال: ﴿الْحَمْدُ لِلَّهِ﴾ أي: على إقامة الحجة عليهم ﴿بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ﴾ أي: فلهذا يشركون بالله.

وقوله: ﴿إِنَّكَ مَيِّتٌ وَإِنَّهُمْ مَيِّتُونَ (٣٠)﴾ هذه الآية من الآيات التي استشهد بها الصديق عند موت الرسول حتى تحقق الناس موته مع قوله: ﴿وَمَا مُحَمَّدٌ إِلَّا رَسُولٌ قَدْ خَلَتْ مِنْ قَبْلِهِ الرُّسُلُ أَفَإِنْ مَاتَ أَوْ قُتِلَ انْقَلَبْتُمْ عَلَى أَعْقَابِكُمْ وَمَنْ يَنْقَلِبْ عَلَى عَقِبَيْهِ فَلَنْ يَضُرَّ اللَّهَ شَيْئًا وَسَيَجْزِي اللَّهُ الشَّاكِرِينَ (١٤٤)[آل عمران]، ومعنى هذه الآية أنكم ستنقلون من هذه الدار لا محالة وستجتمعون عند الله تعالى في الدار الآخرة وتختصمون فيما أنتم فيه في الدنيا من التوحيد والشرك بين يدي الله ﷿ فيفصل بينكم ويفتح بالحق وهو الفتاح العليم، فينجي المؤمنين المخلصين الموحدين، ويعذب الكافرين الجاحدين المشركين المكذبين.

ثم إن هذه الآية وإن كان سياقها في المؤمنين والكافرين وذكر الخصومة بينهم في الدار الآخرة فإنها شاملة لكل المتنازعين في الدنيا فإنه تعاد عليهم الخصومة في الدار الآخرة.

وقال ابن أبي حاتم : حدثنا محمد بن عبد الله بن يزيد المقري، حدثنا سفيان، عن محمد بن عمرو، عن أبي حاطب - يعني: يحيى بن عبد الرحمن -، عن [ابن] (٢) الزبير [] (٣) قال: لما نزلت ﴿ثُمَّ إِنَّكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عِنْدَ رَبِّكُمْ تَخْتَصِمُونَ (٣١)﴾ قال الزبير : يا رسول الله أتكرر علينا الخصومة؟ قال : "نعم" قال : إن الأمر إذًا لشديد: وكذا رواه الإمام أحمد، عن سفيان وعنده زيادة، ولما نزلت ﴿ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ (٨)[التكاثر] قال الزبير : أي: رسول الله؛ أي نعيم نسأل عنه؟ وإنما نعيمنا الأسودان: التمر والماء، قال : "أما إن ذلك سيكون" (٤). وقد روى هذه الزيادة الترمذي وابن ماجه من حديث سفيان به وقال الترمذي: حسن (٥).


(١) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي عن ابن عباس، ويتقوى بما أخرجه آدم بن أبي إياس بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٢) زياد من (حم) و (مح).
(٣) زيادة من (مح).
(٤) سنده حسن، وسيأتي ما يؤيد ذلك.
(٥) سنن الترمذي، التفسير، باب ومن سورة التكاثر (ح ٣٣٥٦) وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (ح ٢٦٧٢).