للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

[النساء] ولهذا قال: ﴿وَوُفِّيَتْ كُلُّ نَفْسٍ مَا عَمِلَتْ﴾ أي: من خير وشر ﴿وَهُوَ أَعْلَمُ بِمَا يَفْعَلُونَ﴾.

﴿وَسِيقَ الَّذِينَ كَفَرُوا إِلَى جَهَنَّمَ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا قَالُوا بَلَى وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ (٧١) قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ (٧٢)﴾.

يخبر تعالى عن حال الأشقياء الكفار كيف يساقون إلى النار وإنما يساقون سوقًا عنيفًا، بزجر وتهديد ووعيد كما قال تعالى: ﴿يَوْمَ يُدَعُّونَ إِلَى نَارِ جَهَنَّمَ دَعًّا (١٣)[الطور] أي: يدفعون إليها دفعًا، وهذا وهم عطاش ظماء كما قال في الآية الأخرى: ﴿يَوْمَ نَحْشُرُ الْمُتَّقِينَ إِلَى الرَّحْمَنِ وَفْدًا (٨٥) وَنَسُوقُ الْمُجْرِمِينَ إِلَى جَهَنَّمَ وِرْدًا (٨٦)[مريم]، وهم في تلك الحال صم وبكم وعمي منهم من يمشي على وجهه ﴿وَنَحْشُرُهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عَلَى وُجُوهِهِمْ عُمْيًا وَبُكْمًا وَصُمًّا مَأْوَاهُمْ جَهَنَّمُ كُلَّمَا خَبَتْ زِدْنَاهُمْ سَعِيرًا﴾ [الإسراء: ٩٧].

وقوله: ﴿حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا فُتِحَتْ أَبْوَابُهَا﴾ أي: بمجرد وصولهم إليها فتحت لهم أبوابها سريعًا لتعجل لهم العقوبة ثم يقول لهم خزنتها من الزبانية الذين هم غلاظ الأخلاق شداد القوى على وجه التقريع والتوبيخ والتنكيل ﴿أَلَمْ يَأْتِكُمْ رُسُلٌ مِنْكُمْ﴾ أي: من جنسكم تتمكنون من مخاطبتهم والأخذ عنهم.

﴿يَتْلُونَ عَلَيْكُمْ آيَاتِ رَبِّكُمْ﴾ أي: يقيمون عليكم الحجج والبراهين على صحة ما دعوكم إليه ﴿وَيُنْذِرُونَكُمْ لِقَاءَ يَوْمِكُمْ هَذَا﴾ أي: ويحذرونكم من شر هذا اليوم، فيقول الكفار لهم ﴿بَلَى﴾ أي: قد جاءونا وأنذرونا وأقاموا علينا الحجج والبراهين ﴿وَلَكِنْ حَقَّتْ كَلِمَةُ الْعَذَابِ عَلَى الْكَافِرِينَ﴾ أي: ولكن كذبناهم وخالفناهم لما سبق لنا من الشقوة التي كنا نستحقها حيث عدلنا عن الحق إلى الباطل كما قال تعالى مخبرًا عنهم في الآية الأخرى: ﴿كُلَّمَا أُلْقِيَ فِيهَا فَوْجٌ سَأَلَهُمْ خَزَنَتُهَا أَلَمْ يَأْتِكُمْ نَذِيرٌ (٨) قَالُوا بَلَى قَدْ جَاءَنَا نَذِيرٌ فَكَذَّبْنَا وَقُلْنَا مَا نَزَّلَ اللَّهُ مِنْ شَيْءٍ إِنْ أَنْتُمْ إِلَّا فِي ضَلَالٍ كَبِيرٍ (٩) وَقَالُوا لَوْ كُنَّا نَسْمَعُ أَوْ نَعْقِلُ مَا كُنَّا فِي أَصْحَابِ السَّعِيرِ (١٠)[الملك] أي: رجعوا على أنفسهم بالملامة والندامة ﴿فَاعْتَرَفُوا بِذَنْبِهِمْ فَسُحْقًا لِأَصْحَابِ السَّعِيرِ (١١)[الملك] أي: بعدًا لهم وخسارًا.

وقوله ههنا: ﴿قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا﴾ أي: كل من رآهم وعلم حالهم يشهد عليهم بأنهم مستحقون للعذاب، ولهذا لم يسند هذا القول إلى قائل معين بل أطلقه ليدل على أن الكون شاهد عليهم بأنهم يستحقون ما هم فيه بما حكم العدل الخبير عليهم ولهذا قال جلَّ وعلا: ﴿قِيلَ ادْخُلُوا أَبْوَابَ جَهَنَّمَ خَالِدِينَ فِيهَا﴾ أي: ماكثين فيها لا خروج لكم منها ولا زوال لكم عنها ﴿فَبِئْسَ مَثْوَى الْمُتَكَبِّرِينَ﴾ أي: فبئس المصير وبئس المقيل لكم بسبب تكبركم في الدنيا وإبائكم عن اتباع الحق، فهو الذي صيركم إلى ما أنتم فيه فبئس الحال وبئس المآل.

﴿وَسِيقَ الَّذِينَ اتَّقَوْا رَبَّهُمْ إِلَى الْجَنَّةِ زُمَرًا حَتَّى إِذَا جَاءُوهَا وَفُتِحَتْ أَبْوَابُهَا وَقَالَ لَهُمْ خَزَنَتُهَا سَلَامٌ عَلَيْكُمْ طِبْتُمْ فَادْخُلُوهَا خَالِدِينَ (٧٣) وَقَالُوا الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي صَدَقَنَا وَعْدَهُ وَأَوْرَثَنَا الْأَرْضَ نَتَبَوَّأُ مِنَ الْجَنَّةِ حَيْثُ نَشَاءُ فَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ (٧٤)﴾.

وهذا إخبار عن حال السعداء المؤمنين حيث يساقون على النجائب وفدًا إلى الجنة زمرًا؛ أي: