للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[الإحساس، كما قال في الأصنام: ﴿أَمْوَاتٌ غَيْرُ أَحْيَاءٍ وَمَا يَشْعُرُونَ … ﴾ الآية [النحل: ٢١] وقال: ﴿وَآيَةٌ لَهُمُ الْأَرْضُ الْمَيْتَةُ أَحْيَيْنَاهَا وَأَخْرَجْنَا مِنْهَا حَبًّا فَمِنْهُ يَأْكُلُونَ (٣٣)(١) [يس].

﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (٢٩)﴾.

لما ذكر تعالى دلالةً من خلقهم، وما يشاهدونه من أنفسهم، ذكر دليلًا آخر مما يشاهدونه من خلق السموات والأرض؛ فقال: ﴿هُوَ الَّذِي خَلَقَ لَكُمْ مَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ فَسَوَّاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ﴾ أي: قصد إلى السماء. والاستواء ها هنا: (مضمَّنٌ) (٢) معنى القصد والإقبال؛ لأنه عدي بـ"إلى" "فسواهن"؛ أي: فخلق السماء سبعًا.

والسماء ها هنا: اسم جنس؛ فلهذا قال: (﴿فَسَوَّاهُنَّ﴾) (٣)، ﴿وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾ أي: وعلمه محيط بجميع ما خلق؛ كما قال: ﴿أَلَا يَعْلَمُ مَنْ خَلَقَ﴾ [الملك: ١٤].

وتفصيل هذه الآية في سورة "حم السجدة" (٤) وهو قوله تعالى: ﴿قُلْ أَئِنَّكُمْ لَتَكْفُرُونَ بِالَّذِي خَلَقَ الْأَرْضَ فِي يَوْمَيْنِ وَتَجْعَلُونَ لَهُ أَنْدَادًا ذَلِكَ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٩) وَجَعَلَ فِيهَا رَوَاسِيَ مِنْ فَوْقِهَا وَبَارَكَ فِيهَا وَقَدَّرَ فِيهَا أَقْوَاتَهَا فِي أَرْبَعَةِ أَيَّامٍ سَوَاءً لِلسَّائِلِينَ (١٠) ثُمَّ اسْتَوَى إِلَى السَّمَاءِ وَهِيَ دُخَانٌ فَقَالَ لَهَا وَلِلْأَرْضِ ائْتِيَا طَوْعًا أَوْ كَرْهًا قَالَتَا أَتَيْنَا طَائِعِينَ (١١) فَقَضَاهُنَّ سَبْعَ سَمَاوَاتٍ فِي يَوْمَيْنِ وَأَوْحَى فِي كُلِّ سَمَاءٍ أَمْرَهَا وَزَيَّنَّا السَّمَاءَ الدُّنْيَا بِمَصَابِيحَ وَحِفْظًا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (١٢)[فصلت:١٢].

ففي هذه دلالة على أنه تعالى ابتدأ بخلق الأرض أولًا، ثم خلق السموات سبعًا؛ وهذا شأن البناء أن يبدأ بعمارة أسافله، ثم أعاليه بعد ذلك.

وقد صرح المفسرون بذلك، كما سنذكره بعد هذا (إن شاء اللّه) (٥).

فأما قوله تعالى: ﴿أَأَنْتُمْ أَشَدُّ خَلْقًا أَمِ السَّمَاءُ بَنَاهَا (٢٧) رَفَعَ سَمْكَهَا فَسَوَّاهَا (٢٨) وَأَغْطَشَ لَيْلَهَا وَأَخْرَجَ ضُحَاهَا (٢٩) وَالْأَرْضَ بَعْدَ ذَلِكَ دَحَاهَا (٣٠) أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا (٣١) وَالْجِبَالَ أَرْسَاهَا (٣٢) مَتَاعًا لَكُمْ وَلِأَنْعَامِكُمْ﴾ (٦) [النازعات] فقد قيل: إن "ثُمَّ" ها هنا إنما هي لعطف الخبر على الخبر، لا لعطف الفعل على الفعل؛ كما قال الشاعر:

قل لمن ساد ثم ساد أبوه … ثم قد ساد قبل ذلك جده

وقيل: إن الدحي كان بعد خلق (السموات) (٧)؛ رواه علي بن أبي طلحة (٨)، عن ابن عباس.

وقد قال السدي في "تفسيره" (٩)، عن أبي مالك؛ وعن أبي صالح، عن ابن عباس؛ وعن مرة،


(١) ساقط من (ز).
(٢) في (ز): "تضمن".
(٣) في (ن): "فسواهن سبع سموات" ولا يظهر قصد المصنف لإتمامها كما لا يخفى.
(٤) من (ز) و (ك) و (ن).
(٥) من (ز) و (ك) و (ن).
(٦) من (ن).
(٧) في (ن): "السموات والأرض"!!
(٨) أخرجه ابن جرير (٥٩٤) [وسنده ثابت].
(٩) أخرجه ابن جرير (٥٩١)؛ والبيهقي في "الأسماء والصفات" (٢/ ١١٨، ١١٩)؛ وابن أبي حاتم (٣٠٧) واختصر هذا سنده كما نبهت عليه. [وسنده ضعيف].