للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أي: لسالف الذنوب ﴿وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ﴾ أي: دمار لهم وهلاك عليهم ﴿الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾ قال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس؛ يعني: الذين لا يشهدون أن لا إله إلا الله (١)، وكذا قال عكرمة (٢) وهذا كقوله : ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (٩) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (١٠)[الشمس] وكقوله: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (١٥)[الأعلى] وقوله: ﴿فَقُلْ هَلْ لَكَ إِلَى أَنْ تَزَكَّى (١٨)[النازعات].

والمراد بالزكاة ههنا طهارة النفس من الأخلاق الرذيلة ومن أهم ذلك طهارة النفس من الشرك، وزكاة المال إنما سميت زكاة لأنها تطهره من الحرام وتكون سببًا لزيادته وبركته وكثرة نفعه وتوفيقًا إلى استعماله في الطاعات.

وقال السدي: ﴿وَوَيْلٌ لِلْمُشْرِكِينَ (٦) الَّذِينَ لَا يُؤْتُونَ الزَّكَاةَ﴾ أي: يؤدون الزكاة (٣).

وقال معاوية بن قرة: ليس هم من أهل الزكاة.

وقال قتادة: يمنعون زكاة أموالهم (٤).

وهذا هو الظاهر عند كثير من المفسرين واختاره ابن جرير، وفيه نظر لأن إيجاب الزكاة إنما كان في السنة الثانية من الهجرة إلى المدينة على ما ذكره غير واحد وهذه الآية مكية اللَّهم إلا أن يقال: لا يبعد أن يكون أصل الصدقة والزكاة وكان مأمورًا به في ابتداء البعثة كقوله تعالى: ﴿وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ﴾ [الأنعام: ١٤١] فأما الزكاة ذات النصب والمقادير فإنما بيّن أمرها بالمدينة ويكون هذا جمعًا بين القولين كما أن أصل الصلاة كان واجبًا قبل طلوع الشمس وقبل غروبها في ابتداء البعثة، فلما كان ليلة الإسراء قبل الهجرة بسنة ونصف فرض الله تعالى على رسوله الصلوات الخمس وفصّل شروطها وأركانها وما يتعلق بها بعد ذلك شيئًا فشيئًا والله أعلم.

ثم قال بعد ذلك: ﴿إِنَّ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ لَهُمْ أَجْرٌ غَيْرُ مَمْنُونٍ (٨)﴾ قال مجاهد وغيره: غير مقطوع ولا مجبوب (٥) كقوله تعالى: ﴿مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (٣)[الكهف] وكقوله تعالى: ﴿عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ﴾ [هود: ١٠٨].

وقال السدي: غير ممنون عليهم (٦)، وقد ردَّ عليه هذا التفسير بعض الأئمة فإن المنة لله على أهل الجنة قال الله : ﴿بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ﴾ [الحجرات: ١٧] وقال أهل الجنة: ﴿فَمَنَّ اللَّهُ عَلَيْنَا وَوَقَانَا عَذَابَ السَّمُومِ (٢٧)[الطور] وقال رسول الله : "إلا إن يتغمدني الله برحمة منه وفضل" (٧).


(١) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق علي به.
(٢) أخرجه الطبري بسند فيه حفص بن عمر وهو العدني: ضعيف ويتقوى بسابقه.
(٣) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق إسباط عن السدي بلفظ: "لو زكَّوا وهم مشركون لم ينفعهم".
(٤) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة بنحوه.
(٥) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بلفظ: "مسحوب".
(٦) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عن السدي.
(٧) أخرجه الشيخان من حديث أبي هريرة (صحيح البخاري، المرضى باب تمني المريض الموت ح ٥٦٧٣) وصحيح مسلم، صفات المنافقين باب لن يدخل أحد الجنة بعمله (ح ٢٨١٦).