للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قال ابن جرير: معناه كأن من يخاطبهم يناديهم من مكان بعيد لا يفهمون ما يقول (١).

وقلت: وهذا كقوله تعالى: ﴿وَمَثَلُ الَّذِينَ كَفَرُوا كَمَثَلِ الَّذِي يَنْعِقُ بِمَا لَا يَسْمَعُ إِلَّا دُعَاءً وَنِدَاءً صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَعْقِلُونَ (١٧١)[البقرة] وقال الضحاك: ينادون يوم القيامة بأشنع أسمائهم (٢).

وقال السدي: كان عمر بن الخطاب : جالسًا عند رجل من المسلمين يقضي إذ قال: يا لبيكاه فقال له عمر : لم تلبي، هل رأيت أحدًا أو دعاك أحد؟ فقال: دعاني داع من وراء البحر، فقال عمر : أولئك ينادون من مكان بعيد (٣). رواه ابن أبي حاتم.

وقوله: ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَى الْكِتَابَ فَاخْتُلِفَ فِيهِ﴾ أي: كُذِّبَ وأُوذِيَ ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ [الأحقاف: ٣٥] ﴿وَلَوْلَا كَلِمَةٌ سَبَقَتْ مِنْ رَبِّكَ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى﴾ [الشورى: ١٤] بتأخير الحساب إلى يوم المعاد ﴿لَقُضِيَ بَيْنَهُمْ﴾ أي: لعجل لهم العذاب بل لهم موعد لن يجدوا من دونه موئلًا ﴿وَإِنَّهُمْ لَفِي شَكٍّ مِنْهُ مُرِيبٍ﴾ أي: وما كان تكذيبهم له عن بصيرة منهم لما قالوا بل كانوا شاكين فيما قالوه غير محققين لشيء كانوا فيه (٤)، هكذا وجهه ابن جرير وهو محتمل، والله أعلم.

﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ (٤٦) * إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ وَيَوْمَ يُنَادِيهِمْ أَيْنَ شُرَكَائِي قَالُوا آذَنَّاكَ مَا مِنَّا مِنْ شَهِيدٍ (٤٧) وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَدْعُونَ مِنْ قَبْلُ وَظَنُّوا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (٤٨)﴾.

يقول تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ﴾ أي: إنما يعود نفع ذلك على نفسه ﴿وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا﴾ أي: إنما يرجع وبال ذلك عليه ﴿وَمَا رَبُّكَ بِظَلَّامٍ لِلْعَبِيدِ﴾ أي: لا يعاقب أحدًا إلا بذنبه ولا يعذب أحدًا إلا بعد قيام الحجة عليه وإرسال الرسول إليه.

ثم قال: ﴿إِلَيْهِ يُرَدُّ عِلْمُ السَّاعَةِ﴾ أي: لا يعلم ذلك أحد سواه كما قال محمد -وهو سيد البشر- لجبريل -وهو من سادات الملائكة- حين سأله عن الساعة فقال: "ما المسؤول عنها بأعلم من السائل" (٥) وكما قال تعالى: ﴿إِلَى رَبِّكَ مُنْتَهَاهَا (٤٤)[النازعات] وقال: ﴿لَا يُجَلِّيهَا لِوَقْتِهَا إِلَّا هُوَ﴾ [الأعراف: ١٨٧].

قوله: ﴿وَمَا تَخْرُجُ مِنْ ثَمَرَاتٍ مِنْ أَكْمَامِهَا وَمَا تَحْمِلُ مِنْ أُنْثَى وَلَا تَضَعُ إِلَّا بِعِلْمِهِ﴾ أي: الجميع بعلمه لا يعزب عن علمه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء وقد قال تعالى: ﴿وَمَا تَسْقُطُ مِنْ وَرَقَةٍ إِلَّا يَعْلَمُهَا﴾ [الأنعام: ٥٩] وقال: ﴿يَعْلَمُ مَا تَحْمِلُ كُلُّ أُنْثَى وَمَا تَغِيضُ الْأَرْحَامُ وَمَا تَزْدَادُ وَكُلُّ شَيْءٍ عِنْدَهُ بِمِقْدَارٍ﴾ [الرعد: ٨] وقال تعالى: ﴿وَمَا يُعَمَّرُ مِنْ مُعَمَّرٍ وَلَا يُنْقَصُ مِنْ عُمُرِهِ إِلَّا فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ﴾ [فاطر: ١١].


(١) ذكره الطبري بمعناه.
(٢) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أجلح عن الضحاك.
(٣) سنده ضعيف لأن السدي لم يلق عمر .
(٤) ذكره الطبري بمعناه.
(٥) أخرجه البخاري من حديث أبي هريرة مطولًا (الصحيح، الإيمان، باب سؤال جبريل النبي عن الإيمان. . . ح ٥٠).