للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

شجرة فاضطجع في ظلها قد أيس من راحلته، فبينما هو كذلك إذا هو بها قائمة عنده، فأخذ بخطامها ثم قال من شدة الفرح: اللَّهم أنت عبدي وأنا ربك - أخطأ من شدة الفرح" (١). وقد ثبت أيضًا في الصحيح من رواية عبد الله بن مسعود نحوه (٢).

وقال عبد الرزاق، عن معمر، عن الزهري في قوله تعالى: ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ﴾ إن أبا هريرة قال: قال رسول الله : "لله أشد فرحًا بتوبة عبده من أحدكم يجد ضالته في المكان يخاف أن يقتله فيه العطش" (٣).

وقال همام بن الحارث: سئل ابن مسعود عن الرجل يفجر بالمرأة ثم يتزوجها؟ قال: لا بأس به، وقرأ ﴿وَهُوَ الَّذِي يَقْبَلُ التَّوْبَةَ عَنْ عِبَادِهِ﴾ الآية، رواه ابن جرير وابن أبي حاتم من حديث شريح القاضي، عن إبراهيم بن مهاجر، عن إبراهيم النخعي، عن همام فذكره (٤).

وقوله: ﴿وَيَعْفُو عَنِ السَّيِّئَاتِ﴾ أي: يقبل التوبة في المستقبل، ويعفو عن السيئات في الماضي ﴿وَيَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ﴾ أي: هو عالم بجميع ما فعلتم وصنعتم وقلتم ومع هذا يتوب على من تاب إليه.

وقوله تعالى: ﴿وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ قال السدي: يعني يستجيب لهم، وكذا قال ابن جرير: معناه يستجيب لهم الدعاء لأنفسهم ولأصحابهم وإخوانهم، وحكاه عن بعض النحاة (٥)، وأنه جعلها كقوله: ﴿فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ﴾ [آل عمران: ١٩٥] ثم روى هو وابن أبي حاتم من حديث الأعمش عن شقيق بن سلمة، عن سلمة بن سبرة قال: خطبنا معاذ بالشام، فقال: أنتم المؤمنون وأنتم أهل الجنة، والله إني لأرجو أن يدخل الله تعالى من تسبون من فارس والروم الجنة، وذلك بأن أحدكم إذا عمل له - يعني: أحدهم عملًا قال: أحسنت رحمك الله، أحسنت بارك الله فيك، ثم قرأ ﴿وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ﴾ (٦).

وحكى ابن جرير، عن بعض أهل العربية أنه جعل قوله: [﴿وَيَسْتَجِيبُ الَّذِينَ آمَنُوا﴾ كقوله:] (٧) ﴿الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ﴾ [الزمر: ١٨] أي: هم الذين يستجيبون للحق ويتبعونه (٨) كقوله: ﴿إِنَّمَا يَسْتَجِيبُ الَّذِينَ يَسْمَعُونَ وَالْمَوْتَى يَبْعَثُهُمُ اللَّهُ﴾ [الأنعام: ٣٦] والمعنى الأول أظهر لقوله تعالى: ﴿وَيَزِيدُهُمْ مِنْ فَضْلِهِ﴾ أي: يستجيب دعاءهم ويزيدهم فوق ذلك. ولهذا قال ابن أبي حاتم: حدثنا علي بن الحسين، حدثنا محمد بن المصفى، حدثنا بقية، حدثنا إسماعيل بن عبد الله الكندي، حدثنا الأعمش، عن شقيق، عن عبد الله قال: قال رسول الله في قوله تعالى: ﴿وَيَزِيدُهُمْ مِنْ


(١) أخرجه مسلم بسنده ومتنه (الصحيح، التوبة، باب في الحض على التوبة والفرح منها ح ٢٧٤٧).
(٢) المصدر السابق (ح ٢٧٤٤).
(٣) أخرجه عبد الرزاق بسنده ومتنه، وأخرجه مسلم من طريق عبد الرزاق عن معمر عن همام بن منبه عن أبي هريرة . (المصدر السابق ح ٢٦٧٥/ ٢).
(٤) أخرجه الطبري من طريق إسحاق بن يوسف عن شريك القاضي به، وسنده ضعيف لضعف إبراهيم بن مهاجر. (التقريب ص ٩٤).
(٥) ذكره الطبري بنحوه بصيغة وقيل.
(٦) أخرجه الحاكم من طريق الأعمش به وصححه ووافقه الذهبي. (المستدرك ٢/ ٤٤٤).
(٧) الزيادة من تفسير الطبري.
(٨) ذكره الطبري بمعناه عن بعض نحويِّي البصرة.