للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أبي رواد، عن الضحاك قال: ما نعلم أحدًا حفظ القرآن ثم نسيه إلا بذنب ثم قرأ الضحاك: ﴿وَمَا أَصَابَكُمْ مِنْ مُصِيبَةٍ فَبِمَا كَسَبَتْ أَيْدِيكُمْ وَيَعْفُو عَنْ كَثِيرٍ (٣٠)﴾ ثم يقول الضحاك: وأي مصيبة أعظم من نسيان القرآن (١).

﴿وَمِنْ آيَاتِهِ الْجَوَارِ فِي الْبَحْرِ كَالْأَعْلَامِ (٣٢) إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ فَيَظْلَلْنَ رَوَاكِدَ عَلَى ظَهْرِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (٣٣) أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ (٣٤) وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٥)﴾.

يقول تعالى ومن آياته الدالة على قدرته الباهرة وسلطانه تسخيره البحر لتجري فيه الفلك بأمره وهي الجواري في البحر كالأعلام؛ أي: كالجبال، قاله مجاهد والحسن والسدي والضحاك: أي: هذه في البحر كالجبال في البر (٢).

﴿إِنْ يَشَأْ يُسْكِنِ الرِّيحَ﴾ أي: التي تسير في البحر بالسفن لو شاء لسكنها حتى لا تحرك السفن بل تبقى راكدة لا تجيء ولا تذهب بل واقفة على ظهره؛ أي: على وجه الماء ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ﴾ أي: في الشدائد ﴿شَكُورٍ﴾ أي: إنه في تسخيره البحر وإجرائه الهوى بقدر ما يحتاجون إليه لسيرهم لدلالات على نعمه تعالى على خلقه لكل صبار؛ أي: في الشدائد شكور في الرخاء.

وقوله: ﴿أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا﴾ أي: ولو شاء لأهلك السفن وغرقها بذنوب أهلها الذين هم راكبون فيها ﴿وَيَعْفُ عَنْ كَثِيرٍ﴾ أي: من ذنوبهم ولو آخذهم بجميع ذنوبهم لأهلك كل من ركب البحر.

وقال بعض علماء التفسير معنى قوله تعالى: ﴿أَوْ يُوبِقْهُنَّ بِمَا كَسَبُوا﴾ أي: لو شاء لأرسل الريح قوية عاتية فأخذت السفن وأحالتها عن سيرها المستقيم، فصرفتها ذات اليمين أو ذات الشمال آبقة لا تسير على طريق ولا إلى جهة مقصد، وهذا القول يتضمن هلاكها وهو مناسب للأول، وهو أنه تعالى لو شاء لسكن الريح فوقفت، أو لقواه فشردت وأبقت وهلكت، ولكن من لطفه ورحمته أنه يرسله بحسب الحاجة كما يرسل المطر بقدر الكفاية، ولو أنزله كثيرًا جدًّا لهدم البنيان، أو قليلًا لما أنبت الزرع والثمار حتى إنه يرسل إلى مثل بلاد مصر سيحًا من أرض أخرى غيرها لأنهم لا يحتاجون إلى مطر ولو أنزل عليهم لهدم بنيانهم وأسقط جدرانهم.

وقوله تعالى: ﴿وَيَعْلَمَ الَّذِينَ يُجَادِلُونَ فِي آيَاتِنَا مَا لَهُمْ مِنْ مَحِيصٍ (٣٥)﴾ أي: لا محيد لهم عن بأسنا ونقمتنا، فإنهم مقهورون بقدرتنا.

﴿فَمَا أُوتِيتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَمَتَاعُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَمَا عِنْدَ اللَّهِ خَيْرٌ وَأَبْقَى لِلَّذِينَ آمَنُوا وَعَلَى رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ (٣٦) وَالَّذِينَ يَجْتَنِبُونَ كَبَائِرَ الْإِثْمِ وَالْفَوَاحِشَ وَإِذَا مَا غَضِبُوا هُمْ يَغْفِرُونَ (٣٧) وَالَّذِينَ اسْتَجَابُوا لِرَبِّهِمْ وَأَقَامُوا الصَّلَاةَ وَأَمْرُهُمْ شُورَى بَيْنَهُمْ وَمِمَّا رَزَقْنَاهُمْ يُنْفِقُونَ (٣٨) وَالَّذِينَ إِذَا أَصَابَهُمُ الْبَغْيُ هُمْ يَنْتَصِرُونَ (٣٩)﴾.

يقول تعالى محقرًا لشأن الحياة الدنيا وزينتها وما فيها من الزهرة والنعيم الفاني بقوله تعالى:


(١) أخرجه ابن أبي شيبة عن وكيع به (المصنف ٧/ ١٦٢) وسنده حسن.
(٢) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بلفظ: "السفن كالجبال"، وكذا أخرجه الطبري بسند حسن من طريق أسباط عن السدي.