للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

له، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن" (١).

﴿لِلَّهِ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ يَخْلُقُ مَا يَشَاءُ يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ (٤٩) أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ (٥٠)﴾.

يخبر تعالى أنه خالق السموات والأرض ومالكهما والمتصرف فيهما، وأنه ما شاء كان وما لم يشأ لم يكن، وأنه يعطي من يشاء ويمنع من يشاء، ولا مانع لما أعطى ولا معطي لما منع، وأنه يخلق ما يشاء ﴿يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا﴾ أي: يرزقه البنات فقط. قال البغوي: ومنهم لوط (٢). ﴿وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ﴾ أي: يرزقه البنين فقط، قال البغوي: كإبراهيم الخليل لم يولد له أنثى (٣).

﴿أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا﴾ أي: يعطي لمن يشاء من الناس الزوجين الذكر والأنثى؛ أي: هذا وهذا.

قال البغوي: كمحمد (٤).

﴿وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا﴾ أي: لا يولد له.

قال البغوي: كيحيى وعيسى (٥).

فجعل الناس أربعة أقسام: منهم من يعطيه البنات، ومنهم من يعطيه البنين، ومنهم من يعطيه من النوعين ذكورًا وإناثًا، ومنهم من يمنعه هذا وهذا فيجعله عقيمًا لا نسل له ولا ولد له. ﴿إِنَّهُ عَلِيمٌ﴾ أي: بمن يستحق كل قسم من هذه الأقسام ﴿قَدِيرٌ﴾ أي: على من يشاء من تفاوت الناس في ذلك، وهذا المقام شبيه بقوله عن عيسى ﴿وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ﴾ [مريم: ٢١] أي: دلالة على قدرته تعالى وتقدس حيث خلق الخلق على أربعة أقسام، فآدم مخلوق من تراب لا من ذكر وأنثى، وحواء مخلوقة من ذكر بلا أنثى، وسائر الخلق سوى عيسى من ذكر وأنثى، وعيسى من أنثى بلا ذكر، فتمت الدلالة بخلق عيسى ابن مريم عليهما الصلاة والسلام. ولهذا قال تعالى: ﴿وَلِنَجْعَلَهُ آيَةً لِلنَّاسِ﴾ فهذا المقام في الآباء، والمقام الأول في الأبناء، وكل منهما أربعة أقسام، فسبحان العليم القدير.

﴿وَمَا كَانَ لِبَشَرٍ أَنْ يُكَلِّمَهُ اللَّهُ إِلَّا وَحْيًا أَوْ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ أَوْ يُرْسِلَ رَسُولًا فَيُوحِيَ بِإِذْنِهِ مَا يَشَاءُ إِنَّهُ عَلِيٌّ حَكِيمٌ (٥١) وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِنْ أَمْرِنَا مَا كُنْتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ وَلَكِنْ جَعَلْنَاهُ نُورًا نَهْدِي بِهِ مَنْ نَشَاءُ مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُسْتَقِيمٍ (٥٢) صِرَاطِ اللَّهِ الَّذِي لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ أَلَا إِلَى اللَّهِ تَصِيرُ الْأُمُورُ (٥٣)﴾.

هذه مقامات الوحي بالنسبة إلى جناب الله ﷿، وهو أنه تعالى تارة يقذف في روع النبي


(١) تقدم تخريجه في تفسير سورة البقرة آية ١٥٣.
(٢) ذكره البغوي بنحوه (معالم التنزيل ٤/ ١٣٢).
(٣) ذكره البغوي (المصدر السابق).
(٤) ذكره البغوي بنحوه (المصدر السابق).
(٥) ذكره البغوي بنحوه (المصدر السابق).