للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وهذا إنكار عليهم غاية الإنكار. ثم ذكر تمام الإنكار، فقال: ﴿وَإِذَا بُشِّرَ أَحَدُهُمْ بِمَا ضَرَبَ لِلرَّحْمَنِ مَثَلًا ظَلَّ وَجْهُهُ مُسْوَدًّا وَهُوَ كَظِيمٌ (١٧)﴾ أي: إذا بشر أحد هؤلاء بما جعلوه لله من البنات يأنف من ذلك غاية الأنفة، وتعلوه كآبة من سوء ما بشر به، ويتوارى من القوم من خجله من ذلك، يقول : فكيف تأنفون من ذلك وتنسبونه إلى الله ﷿؟

ثم قال : ﴿أَوَمَنْ يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ (١٨)﴾ أي: المرأة ناقصة يكمل نقصها بلبس الحلي منذ تكون طفلة وإذا خاصمت فلا عبارة لها، بل هي عاجزة عيية أو من يكون هكذا ينسب إلى جناب الله العظيم، فالأنثى ناقصة الظاهر والباطن في الصورة والمعنى، فيكمل نقص ظاهرها وصورتها بلبس الحلي وما في معناه ليجبر ما فيها من نقص كما قال بعض شعراء العرب:

وما الحلي إلا زينة من نقيصة يُتمَّم … من حُسن إذا الحسن قَصَّرا

وأما إذا كان الجمال موفَّرًا … كحسنك لم يحتج إلى أن يزوَّرا

وأما نقص معناها فإنها ضعيفة عاجزة عن الانتصار عند الانتصار لا عبارة لها ولا همة، كما قال بعض العرب وقد بُشر ببنت: ما هي بنعم الولد نصرها بكاء، وبرها سرقة.

وقوله: ﴿وَجَعَلُوا الْمَلَائِكَةَ الَّذِينَ هُمْ عِبَادُ الرَّحْمَنِ إِنَاثًا﴾ أي: اعتقدوا فيهم ذلك، فأنكر عليهم تعالى قولهم ذلك فقال: ﴿أَشَهِدُوا خَلْقَهُمْ﴾ أي: شاهدوه وقد خلقهم الله إناثًا ﴿سَتُكْتَبُ شَهَادَتُهُمْ﴾ أي: بذلك ﴿وَيُسْأَلُونَ﴾ عن ذلك يوم القيامة وهذا تهديد شديد ووعيد أكيد

﴿وَقَالُوا لَوْ شَاءَ الرَّحْمَنُ مَا عَبَدْنَاهُمْ﴾ أي: لو أراد الله لحال بيننا وبين عبادة هذه الأصنام التي هي على صور الملائكة التي هي بنات الله، فإنه عالم بذلك وهو يقرنا عليه، فجمعوا بين أنواع كثيرة من الخطأ:

أحدها: جعلهم لله تعالى ولدًا، تعالى وتقدس وتنزه عن ذلك علوًّا كبيرًا.

الثاني: دعواهم أنه اصطفى البنات على البنين فجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثًا.

الثالث: عبادتهم لهم مع ذلك كله بلا دليل ولا برهان ولا إذن من الله ﷿، بل بمجرد الآراء والأهواء والتقليد للأسلاف والكبراء والآباء والخبط في الجاهلية الجهلاء.

الرابع: واحتجاجهم بتقديرهم على ذلك قدرًا، وقد جهلوا في هذا الإحتجاج جهلًا كبيرًا، فإنه تعالى قد أنكر ذلك عليهم أشد الإنكار فإنه منذ بعث الرسل وأنزل الكتب يأمر بعبادته وحده لا شريك له، وينهي عن عبادة ما سواه قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ بَعَثْنَا فِي كُلِّ أُمَّةٍ رَسُولًا أَنِ اعْبُدُوا اللَّهَ وَاجْتَنِبُوا الطَّاغُوتَ فَمِنْهُمْ مَنْ هَدَى اللَّهُ وَمِنْهُمْ مَنْ حَقَّتْ عَلَيْهِ الضَّلَالَةُ فَسِيرُوا فِي الْأَرْضِ فَانْظُرُوا كَيْفَ كَانَ عَاقِبَةُ الْمُكَذِّبِينَ (٣٦)[النحل] وقال تعالى: ﴿وَاسْأَلْ مَنْ أَرْسَلْنَا مِنْ قَبْلِكَ مِنْ رُسُلِنَا أَجَعَلْنَا مِنْ دُونِ الرَّحْمَنِ آلِهَةً يُعْبَدُونَ (٤٥)[الزخرف] وقال في هذه الآية بعد أن ذكر حجتهم هذه: ﴿مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ﴾ أي: بصحة ما قالوه واحتجوا به ﴿إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ﴾ أي: يكذبون ويتقولون.

وقال مجاهد في قوله تعالى: ﴿مَا لَهُمْ بِذَلِكَ مِنْ عِلْمٍ إِنْ هُمْ إِلَّا يَخْرُصُونَ﴾: يعني: ما يعلمون