للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

﴿إِنَّا أَنْزَلْنَاهُ فِي لَيْلَةِ الْقَدْرِ (١)[القدر]، وكان ذلك في شهر رمضان كما قال تعالى: ﴿شَهْرُ رَمَضَانَ الَّذِي أُنْزِلَ فِيهِ الْقُرْآنُ﴾ [البقرة: ١٨٥]، وقد ذكرنا في الأحاديث الواردة في سورة البقرة بما أغنى عن إعادته، ومن قال: إنها ليلة النصف من شعبان كما روي عن عكرمة (١) فقد أبعد النجعة، فإن نصَّ القرآن أنها في رمضان، والحديث الذي رواه عبد الله بن صالح، عن الليث، عن عقيل، عن الزهري، أخبرني عثمان بن محمد بن المغيرة بن الأخنس قال: إن رسول الله قال: "تقطع الآجال من شعبان إلى شعبان حتى إن الرجل لينكح ويولد له وقد أخرج اسمه في الموتى" (٢). فهو حديث مرسل ومثله لا يعارض به النصوص.

وقوله: ﴿إِنَّا كُنَّا مُنْذِرِينَ﴾ أي: معلمين الناس ما ينفعهم ويضرهم شرعًا لتقوم حجة الله على عباده.

وقوله: ﴿فِيهَا يُفْرَقُ كُلُّ أَمْرٍ حَكِيمٍ (٤)﴾ أي: في ليلة القدر يفصل من اللوح المحفوظ إلى الكتبة أمر السنة، وما يكون فيها من الآجال والأرزاق وما يكون فيها إلى آخرها. وهكذا روي عن ابن عمر ومجاهد وأبي مالك والضحاك وغير واحد من السلف (٣).

وقوله: ﴿حَكِيمٍ﴾ أي: محكم لا يبدل ولا يغير، ولهذا قال: ﴿أَمْرًا مِنْ عِنْدِنَا﴾ أي: جميع ما يكون ويقدره الله تعالى وما يوحيه فبأمره وإذنه وعلمه ﴿إِنَّا كُنَّا مُرْسِلِينَ﴾ أي: إلى الناس رسولًا يتلو عليهم آيات الله مبينات فإن الحاجة كانت ماسة إليه، ولهذا قال تعالى: ﴿رَحْمَةً مِنْ رَبِّكَ إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (٦)

﴿رَبِّ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا﴾ أي: الذي أنزل القرآن هو رب السماوات والأرض وخالقها ومالكها وما فيها ﴿إِنْ كُنْتُمْ مُوقِنِينَ﴾ أي: إن كنتم متحققين

ثم قال تعالى: ﴿لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ رَبُّكُمْ وَرَبُّ آبَائِكُمُ الْأَوَّلِينَ (٨)﴾ وهذه الآية كقوله تعالى: ﴿قُلْ يَاأَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي رَسُولُ اللَّهِ إِلَيْكُمْ جَمِيعًا الَّذِي لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ يُحْيِي وَيُمِيتُ﴾ الآية [الأعراف: ١٥٨].

﴿بَلْ هُمْ فِي شَكٍّ يَلْعَبُونَ (٩) فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (١٠) يَغْشَى النَّاسَ هَذَا عَذَابٌ أَلِيمٌ (١١) رَبَّنَا اكْشِفْ عَنَّا الْعَذَابَ إِنَّا مُؤْمِنُونَ (١٢) أَنَّى لَهُمُ الذِّكْرَى وَقَدْ جَاءَهُمْ رَسُولٌ مُبِينٌ (١٣) ثُمَّ تَوَلَّوْا عَنْهُ وَقَالُوا مُعَلَّمٌ مَجْنُونٌ (١٤) إِنَّا كَاشِفُو الْعَذَابِ قَلِيلًا إِنَّكُمْ عَائِدُونَ (١٥) يَوْمَ نَبْطِشُ الْبَطْشَةَ الْكُبْرَى إِنَّا مُنْتَقِمُونَ (١٦)﴾.

يقول تعالى: بل هؤلاء المشركون في شك يلعبون؛ أي: قد جاءهم الحق اليقين وهم يشكون فيه ويمترون ولا يصدقون به،

ثم قال تعالى متوعدًا لهم ومهددًا: ﴿فَارْتَقِبْ يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ بِدُخَانٍ مُبِينٍ (١٠)﴾.

قال سليمان بن مهران الأعمش: عن أبي الضحى مسلم بن صبيح، عن مسروق قال: دخلنا المسجد؛ يعني: مسجد الكوفة عند أبواب كندة، فإذا رجل يقص على أصحابه: ﴿يَوْمَ تَأْتِي السَّمَاءُ


(١) أخرجه الطبري بسند فيه النضر بن إسماعيل البجلي ليس بالقوي.
(٢) أخرجه الطبري من طريق آدم بن أبي إياس عن الليث به، وسنده ضعيف لإرساله.
(٣) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سلمة عن أبي مالك، وأخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة.