للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا محمد بن خلف العسقلاني، حدثنا الفريابي، عن سفيان، عن الأعمش، عن المنهال بن عمرو، عن أبي أراكة قال: سأل رجل عبد الله بن عمرو قال: ممَّ خلق الخلق؟ قال: من النور والنار والظلمة والثرى. قال: وائت ابن عباس فاسأله، فأتاه فقال له مثل ذلك، فقال: ارجع إليه فسله مما خلق ذلك كله، فرجع إليه فسأله فتلا ﴿وَسَخَّرَ لَكُمْ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا مِنْهُ﴾ (١). هذا أثر غريب وفيه نكارة ﴿إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ﴾.

وقوله تعالى: ﴿قُلْ لِلَّذِينَ آمَنُوا يَغْفِرُوا لِلَّذِينَ لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ﴾ أي: ليصفحوا عنهم ويتحملوا الأذى منهم وكان هذا في ابتداء الإسلام، أمروا أن يصبروا على أذى المشركين وأهل الكتاب ليكون ذلك كالتأليف لهم، ثم لما أصرُّوا على العناد شرع الله للمؤمنين الجلاد والجهاد. هكذا روي عن ابن عباس وقتادة (٢).

وقال مجاهد: ﴿لَا يَرْجُونَ أَيَّامَ اللَّهِ﴾ لا ينالون نعم الله تعالى (٣).

وقوله: ﴿لِيَجْزِيَ قَوْمًا بِمَا كَانُوا يَكْسِبُونَ﴾ أي: إذا صفحوا عنهم في الدنيا فإن الله ﷿ مجازيهم بأعمالهم السيئة في الآخرة، ولهذا قال تعالى: ﴿مَنْ عَمِلَ صَالِحًا فَلِنَفْسِهِ وَمَنْ أَسَاءَ فَعَلَيْهَا ثُمَّ إِلَى رَبِّكُمْ تُرْجَعُونَ (١٥)﴾ أي: تعودون إليه يوم القيامة فتعرضون بأعمالكم عليه، فيجزيكم خيرها وشرها.

﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ (١٦) وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ فَمَا اخْتَلَفُوا إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ إِنَّ رَبَّكَ يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ (١٧) ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ (١٨) إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنْكَ مِنَ اللَّهِ شَيْئًا وَإِنَّ الظَّالِمِينَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُتَّقِينَ (١٩) هَذَا بَصَائِرُ لِلنَّاسِ وَهُدًى وَرَحْمَةٌ لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ (٢٠)﴾.

يذكر تعالى ما أنعم به على بني إسرائيل من إنزال الكتب عليهم وإرسال الرسل إليهم وجعله الملك فيهم، ولهذا قال : ﴿وَلَقَدْ آتَيْنَا بَنِي إِسْرَائِيلَ الْكِتَابَ وَالْحُكْمَ وَالنُّبُوَّةَ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ﴾ أي: من المآكل والمشارب ﴿وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى الْعَالَمِينَ﴾ أي: في زمانهم

﴿وَآتَيْنَاهُمْ بَيِّنَاتٍ مِنَ الْأَمْرِ﴾ أي: حججًا وبراهين وأدلة قاطعات، فقامت عليهم الحجج ثم اختلفوا بعد ذلك من بعد قيام الحجة، وإنما كان ذلك بغيًا منهم على بعضهم بعضًا ﴿إِنَّ رَبَّكَ﴾ يا محمد ﴿يَقْضِي بَيْنَهُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كَانُوا فِيهِ يَخْتَلِفُونَ﴾ أي: سيفصل بينهم بحكمه العدل، وهذا فيه تحذير لهذه الأمة أن تسلك مسلكهم وأن تقصد منهجهم، ولهذا قال: ﴿ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنَ الْأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا﴾ أي: اتبع ما أوحي إليك من ربك لا إله إلا هو وأعرض عن المشركين، وقال ههنا: ﴿وَلَا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ


(١) أبو أراكه لم أقف على ترجمته، وضعف متنه الحافظ ابن كثير، وأخرجه عبد الرزاق من طريق حميد الأعرج أن رجلًا جاء إلى عبد الله بن عمرو بن العاص.
(٢) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق عطية العوفي عن ابن عباس، ويتقوى بما أخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة.
(٣) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.