للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

البصري إنه ما شعر بأمرهم حتى أنزل الله تعالى عليه بخبرهم (١).

وذكر محمد بن إسحاق، عن يزيد بن رومان عن محمد بن كعب القرظي قصة خروج النبي إلى الطائف ودعائه إياهم إلى الله ﷿ وإبائهم عليه، فذكر القصة بطولها وأورد ذلك الدعاء الحسن "اللَّهم إليك أشكو ضعف قوتي وقلة حيلتي وهواني على الناس يا أرحم الراحمين أنت أرحم الراحمين وأنت رب المستضعفين، وأنت ربي إلى من تكلني؟ إلى عدو يتجهمني أم إلى صديق قريب ملكته أمري، إن لم يكن بك غضب علي فلا أبالي غير أن عافيتك أوسع لي، أعوذ بنور وجهك الذي أشرقت له الظلمات، وصلح عليه أمر الدنيا والآخرة أن ينزل بي غضبك أو يحل بي سخطك، ولك العتبي حتى ترضى ولا حول ولا قوة إلا بك".

قال: فلما انصرف عنهم بات بنخلة فقرأ تلك الليلة من القرآن فاستمعه الجن من أهل نصيبين (٢)، وهذا صحيح، ولكن قوله: إن الجن كان استماعهم تلك الليلة فيه نظر، فإن الجن كان استماعهم في ابتداء الإيحاء كما دلَّ عليه حديث ابن عباس المذكور، وخروجه إلى الطائف كان بعد موت عمه، وذلك قبل الهجرة بسنة أو سنتين كما قرره ابن إسحاق وغيره.

وقال أبو بكر بن أبي شيبة: حدثنا أبو أحمد الزبيري، حدثنا سفيان، عن عاصم عن زرٍّ عن عبد الله بن مسعود قال: هبطوا على النبي وهو يقرأ القرآن ببطن النخلة ﴿فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا﴾ قال: صه، وكانوا تسعة وأحدهم زوبعة، فأنزل الله ﷿: ﴿وَإِذْ صَرَفْنَا إِلَيْكَ نَفَرًا مِنَ الْجِنِّ يَسْتَمِعُونَ الْقُرْآنَ فَلَمَّا حَضَرُوهُ قَالُوا أَنْصِتُوا فَلَمَّا قُضِيَ وَلَّوْا إِلَى قَوْمِهِمْ مُنْذِرِينَ (٢٩)﴾ إلى ﴿ضَلَالٍ مُبِينٍ﴾ (٣) فهذا مع الأول من رواية ابن عباس يقتضي أن رسول الله لم يشعر بحضورهم في هذه المرة، وإنما استمعوا قراءته ثم رجعوا إلى قومهم، ثم بعد ذلك وفدوا إليه أرسالًا: قومًا بعد قوم وفوجًا بعد فوج، كما ستأتي بذلك الأخبار في موضعها والآثار مما سنوردها ههنا إن شاء الله تعالى وبه الثقة.

فأما ما رواه البخاري ومسلم جميعًا عن أبي قدامة عبيد الله بن سعيد السرخسي، عن أبي أسامة حماد بن أسامة، عن مسعر بن كدام، عن معن بن عبد الرحمن، قال: سمعت أبي يقول: سألت مسروقًا من آذن النبي ليلة استمعوا القرآن؟ فقال: حدثني أبوك يعني ابن مسعود أنه آذنته بهم شجرة (٤)، فيحتمل أن يكون هذا في المرة الأولى، ويكون إثباتًا مقدمًا على نفي ابن عباس، ويحتمل أن يكون في المرة الأولى، ولكن لم يشعر بهم حال استماعهم حتى آذنته بهم الشجرة؛ أي: أعلمته باستماعهم، والله أعلم، ويحتمل أن يكون هذا في بعض المرات المتأخرات، والله أعلم.

قال الحافظ البيهقي: وهذا الذي حكاه ابن عباس إنما هو أول ما سمعت الجن قراءة


(١) أخرجه الطبري بسند رجاله ثقات عن الحسن البصري لكنه مرسل، ويتقوى بالروايات التالية.
(٢) أخرجه ابن إسحاق كما في السيرة النبوية لابن هشام (٢/ ٤٤٤) وسنده مرسل.
(٣) أخرجه الحاكم من طريق ابن أبي شيبة به وصححه ووافقه الذهبي. (المستدرك ٢/ ٤٥٦).
(٤) صحيح البخاري، مناقب الأنصار، باب ذكر الجن (ح ٣٨٥٩)، وصحيح مسلم، الصلاة، باب الجهر بالقراءة في الصبح … (ح ٤٥٠/ ١٥٣).