للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

فكانت بلا ممانعة ولا مخالفة بل طائعة مجيبة وجلة، أفليس ذلك بقادر على أن يحيي الموتى؟ كما قال في الآية الأخرى: ﴿لَخَلْقُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ أَكْبَرُ مِنْ خَلْقِ النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (٥٧)[غافر] ولهذا قال تعالى: ﴿بَلَى إِنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ﴾

ثم قال : مهددًا ومتوعدًا لمن كفر به ﴿وَيَوْمَ يُعْرَضُ الَّذِينَ كَفَرُوا عَلَى النَّارِ أَلَيْسَ هَذَا بِالْحَقِّ﴾ أي: يقال لهم أما هذا حق أفسحر هذا أم أنتم لا تبصرون؟ ﴿قَالُوا بَلَى وَرَبِّنَا﴾ أي: لا يسعهم إلا الاعتراف ﴿قَالَ فَذُوقُوا الْعَذَابَ بِمَا كُنْتُمْ تَكْفُرُونَ﴾ ثم قال تعالى آمرًا رسوله بالصبر على تكذيب من كذبه من قومه: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ أي: على تكذيب قومهم لهم. وقد اختلفوا في تعداد أولي العزم على أقوال وأشهرها أنهم: نوح وإبراهيم وموسى وعيسى وخاتم الأنبياء محمد ، قد نصَّ الله تعالى على أسمائهم من بين الأنبياء في آيتين من سورتي الأحزاب والشورى، وقد يحتمل أن يكون المراد بأولي العزم جميع الرسل فتكون ﴿مِنَ﴾ في قوله: من الرسل لبيان الجنس، والله أعلم.

وقد قال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن الحجاج الحضرمي، حدثنا السري بن حيان، حدثنا عباد بن عباد، حدثنا مجالد بن سعد، عن الشعبي، عن مسروق قال: قالت عائشة : ظل رسول الله صائمًا ثم طواه ثم ظل صائمًا ثم طواه ثم ظل صائمًا ثم قال: "يا عائشة إن الدنيا لا تنبغي لمحمد ولا لآل محمد، يا عائشة إن الله تعالى لم يرض من أولي العزم من الرسل إلا بالصبر على مكروهها والصبر على محبوبها، ثم لم يرض مني إلا أن يكلفني ما كلفهم فقال: ﴿فَاصْبِرْ كَمَا صَبَرَ أُولُو الْعَزْمِ مِنَ الرُّسُلِ﴾ وإني والله لأصبرن كما صبروا جهدي ولا قوة إلا بالله (١).

﴿وَلَا تَسْتَعْجِلْ لَهُمْ﴾ أي: لا تستعجل لهم حلول العقوبة بهم كقوله : ﴿وَذَرْنِي وَالْمُكَذِّبِينَ أُولِي النَّعْمَةِ وَمَهِّلْهُمْ قَلِيلًا (١١)[المزمل] وكقوله: ﴿فَمَهِّلِ الْكَافِرِينَ أَمْهِلْهُمْ رُوَيْدًا (١٧)[الطارق].

﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَ مَا يُوعَدُونَ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنْ نَهَارٍ﴾ كقوله: ﴿كَأَنَّهُمْ يَوْمَ يَرَوْنَهَا لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا عَشِيَّةً أَوْ ضُحَاهَا (٤٦)[النازعات] وكقوله: ﴿وَيَوْمَ يَحْشُرُهُمْ كَأَنْ لَمْ يَلْبَثُوا إِلَّا سَاعَةً مِنَ النَّهَارِ يَتَعَارَفُونَ بَيْنَهُمْ﴾ الآية [يونس: ٤٥].

وقوله: ﴿بَلَاغٌ﴾. قال ابن جرير يحتمل معنيين:

أحدهما: أن يكون تقديره، وذلك لبث بلاغ.

والآخر: أن يكون تقديره هذا القرآن بلاغ (٢).

وقوله تعالى: ﴿فَهَلْ يُهْلَكُ إِلَّا الْقَوْمُ الْفَاسِقُونَ﴾ أي: لا يهلك على الله إلا هالك، وهذا من عدله تعالى أنه لا يعذب إلا من يستحق العذاب.

آخر تفسير سورة الأحقاف، ولله الحمد والمنَّة.


(١) سنده ضعيف لضعف مجالد بن سعيد كما في التقريب.
(٢) ذكره الطبري بنحوه.