للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أَرْحَامَكُمْ﴾ أي: تعودوا إلى ما كنتم فيه من الجاهلية الجهلاء تسفكون الدماء وتقطعون الأرحام، ولهذا قال تعالى: ﴿أُولَئِكَ الَّذِينَ لَعَنَهُمُ اللَّهُ فَأَصَمَّهُمْ وَأَعْمَى أَبْصَارَهُمْ (٢٣)﴾ وهذا نهي عن الإفساد في الأرض عمومًا، وعن قطع الأرحام خصوصًا، بل وقد أمر الله تعالى بالإصلاح في الأرض وصلة الأرحام، وهو الإحسان إلى الأقارب في المقال والأفعال وبذل الأموال، وقد وردت الأحاديث الصحاح والحسان بذلك عن رسول الله من طرق عديدة ووجوه كثيرة.

قال البخاري: حدثنا خالد بن مخلد، حدثنا سليمان، حدثني معاوية بن أبي مُزرّد، عن سعيد بن يسار، عن أبي هريرة، عن النبي قال: "خلق الله تعالى الخلق فلما فرغ منه قامت الرحم فأخذت [بحقوِ] (١) الرحمن ﷿ فقال مه، فقالت هذا مقام العائذ بك من القطيعة فقال تعالى: ألا ترضين أن أصل من وصلك وأقطع من قطعك؟ قالت: بلى، قال: فذاك" قال أبو هريرة: اقرءوا إن شئتم ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (٢٢)(٢) ثم رواه البخاري من طريقين آخرين، عن معاوية بن أبي مزرد به قال: قال رسول الله : "اقرءوا إن شئتم ﴿فَهَلْ عَسَيْتُمْ إِنْ تَوَلَّيْتُمْ أَنْ تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ (٢٢)﴾ " (٣). ورواه مسلم من حديث معاوية بن أبي مزرّد به (٤).

وقال الإمام أحمد: حدثنا [إسماعيل بن علية، حدثنا عيينة] (٥) بن عبد الرحمن بن جوشن، عن أبيه، عن أبي بكر قال: قال رسول الله : "ما من ذنب أحرى أن يعجل الله تعالى عقوبته في الدنيا مع ما يدخر لصاحبه في الاخرة من البغي وقطيعة الرحم" (٦). ورواه أبو داود والترمذي وابن ماجه من حديث إسماعيل هو ابن علية به، وقال الترمذي: هذا حديث صحيح (٧).

وقال الإمام أحمد: حدثنا محمد بن بكر، حدثنا ميمون أبو محمد [المرئي] (٨)، حدثنا محمد بن عباد المخزومي، عن ثوبان، عن رسول الله قال: "من سرَّه النسأ في الأجل والزيادة في الرزق فليصل رحمه" (٩). تفرد به أحمد وله شاهد في الصحيح.

وقال أحمد أيضًا: حدثنا يزيد بن هارون، حدثنا حجاج بن أرطأة، عن عمرو بن شعيب، عن أبيه، عن جده قال: جاء رجل إلى رسول الله فقال: يا رسول الله إن لي ذوي أرحام، أصل ويقطعون، وأعفو ويظلمون، وأحسن ويسيئون أفأكافئهم؟ قال : "لا، إذن تتركون جميعًا ولكن


(١) كذا في (حم) و (مح)، وفي الأصل بياض.
(٢) أخرجه البخاري بسنده ومتنه (الصحيح، التفسير، باب ﴿وَتُقَطِّعُوا أَرْحَامَكُمْ﴾ القتال: ٢٢] ح ٣٨٣٠).
(٣) المصدر السابق (ح ٤٨٣١، ٤٨٣٢).
(٤) صحيح مسلم، البر والصلة، باب صلة الرحم (ح ٢٥٥٤).
(٥) كذا في (حم) و (مح) والمسند، وفي الأصل خلط الناسخ بين الإسمين فجاء بلفظ: "إسماعيل بن عيينة بن عبد الرحمن".
(٦) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٣٤/ ٣٩ - ٤٠ ح ٢٠٣٩٨) وصحح سنده محققوه.
(٧) سنن أبي داود، الأدب، باب في النهي عن البغي (ح ٤٩٠٢)، وسنن الترمذي، صفة القيامة، (ح ٢٥١١)، وسنن ابن ماجه، الزهد، باب البغي (ح ٤٢١١)، وصححه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ح ٤٠٩٨).
(٨) كذا في المسند وفي النسخ الخطية: "المراي".
(٩) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٣٧/ ٨٦، ٨٧ ح ٢٢٤٠٠)، وحسن سنده محققوه.