للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يونس، عن الحجاج بن الفرافصة، عن أبي عمر البصري، عن سليمان قال: قال رسول الله : "الأرواح جنود مجندة فما تعارف منها ائتلف وما تناكر منها اختلف" (١) وبه قال رسول الله : "إذا ظهر القول وخزن العمل وائتلفت الألسنة وتباغضت القلوب، وقطع كل ذي رحم رحمه فعند ذلك لعنهم الله وأصمهم وأعمى أبصارهم" (٢).

[والأحاديث في هذا كثيرة، والله أعلم] (٣).

﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (٢٤) إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ وَأَمْلَى لَهُمْ (٢٥) ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ (٢٦) فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (٢٧) ذَلِكَ بِأَنَّهُمُ اتَّبَعُوا مَا أَسْخَطَ اللَّهَ وَكَرِهُوا رِضْوَانَهُ فَأَحْبَطَ أَعْمَالَهُمْ (٢٨)﴾.

يقول تعالى آمرًا بتدبر القرآن وتفهمه وناهيًا عن الإعراض عنه فقال: ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (٢٤)﴾ أي: بل على قلوب أقفالها، فهي مطبقة لا يخلص إليها شيء من معانيه.

قال ابن جرير: حدثنا بشر، حدثنا حماد بن زيد، حدثنا هشام بن عروة، عن أبيه قال: تلا رسول الله يومًا ﴿أَفَلَا يَتَدَبَّرُونَ الْقُرْآنَ أَمْ عَلَى قُلُوبٍ أَقْفَالُهَا (٢٤)﴾؟ فقال شاب من أهل اليمن: بل عليها أقفالها حتى يكون الله تعالى يفتحها أو يفرجها، فما زال الشاب في نفس عمر حتى ولي فاستعان به (٤).

ثم قال تعالى: ﴿إِنَّ الَّذِينَ ارْتَدُّوا عَلَى أَدْبَارِهِمْ مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى﴾ أي: فارقوا الإيمان ورجعوا إلى الكفر ﴿مِنْ بَعْدِ مَا تَبَيَّنَ لَهُمُ الْهُدَى الشَّيْطَانُ سَوَّلَ لَهُمْ﴾ أي: زين لهم ذلك وحسنه ﴿وَأَمْلَى لَهُمْ﴾ أي: غرهم وخدعهم

﴿ذَلِكَ بِأَنَّهُمْ قَالُوا لِلَّذِينَ كَرِهُوا مَا نَزَّلَ اللَّهُ سَنُطِيعُكُمْ فِي بَعْضِ الْأَمْرِ﴾ أي: مالؤوهم وناصحوهم في الباطن على الباطل، وهذا شأن المنافقين يظهرون خلاف ما يبطنون. ولهذا قال الله ﷿: ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ إِسْرَارَهُمْ﴾ أي: ما يسرون وما يخفون، الله مطلع عليه وعالم به كقوله: ﴿وَاللَّهُ يَكْتُبُ مَا يُبَيِّتُونَ﴾ [النساء: ٨١].

ثم قال: ﴿فَكَيْفَ إِذَا تَوَفَّتْهُمُ الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ (٢٧)﴾ أي: كيف حالهم إذا جاءتهم الملائكة لقبض أرواحهم وتعاصت الأرواح في أجسادهم واستخرجتها الملائكة بالعنف والقهر والضرب، كما قال: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذْ يَتَوَفَّى الَّذِينَ كَفَرُوا الْمَلَائِكَةُ يَضْرِبُونَ وُجُوهَهُمْ وَأَدْبَارَهُمْ﴾ الآية [الأنفال: ٥٠]. وقال تعالى: ﴿وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ فِي غَمَرَاتِ الْمَوْتِ وَالْمَلَائِكَةُ بَاسِطُو أَيْدِيهِمْ﴾ [الأنعام: ٩٣] أي: بالضرب ﴿أَخْرِجُوا أَنْفُسَكُمُ الْيَوْمَ تُجْزَوْنَ عَذَابَ الْهُونِ بِمَا كُنْتُمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ غَيْرَ الْحَقِّ وَكُنْتُمْ عَنْ آيَاتِهِ تَسْتَكْبِرُونَ﴾ [الأنعام: ٩٣] ولهذا قال ههنا: ﴿ذَلِكَ


(١) تقدم تخريجه في سورة الكهف آية ١٤.
(٢) أخرجه الطبراني (المعجم الكبير ٦/ ٢٦٣ ح ٦١٦٩) قال الهيثمي: فيه جماعة لم أعرفهم (مجمع الزوائد ٧/ ٢٨٧).
(٣) زيادة من (حم) و (مح).
(٤) أخرجه الطبري بسنده ومتنه، ورجاله ثقات لكنه مرسل.