للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

صاحبه، قالا: خرج رسول الله زمن الحديبية في بضع مائة من أصحابه، فلما أتى ذا الحليفة قلَّد الهدي وأشعره وأحرم منها بعمرة، وبعث عينًا له من خزاعة وسار، حتى إذا كان بغدير الأشطاط أتاه عينه فقال: إن قريشًا قد جمعوا لك جموعًا وقد جمعوا لك الأحابيش، وهم مقاتلوك وصادُّوك ومانعوك. فقال : "أشيروا أيها الناس علي، أترون أن نميل على عيالهم وذراري هؤلاء الذين يريدون أن يصدونا عن البيت؟ " وفي لفظ: "أترون أن نميل على ذراري هؤلاء الذين أعانوهم، فإن يأتونا كان الله قد قطع عنقًا من المشركين، وإلا تركناهم محزونين"، وفي لفظ: "فإن قعدوا قعدوا موتورين مجهودين محزونين، وإن نجوا يكن عنقًا قطعها الله ﷿. أم ترون أن نؤم البيت فمن صدنا عنه قاتلناه"؟

فقال أبو بكر : يا رسول الله خرجت عامدًا لهذا البيت، لا تريد قتل أحد ولا حربًا، فتوجه له فمن صدنا عنه قاتلناه، وفي لفظ: فقال أبو بكر : الله ورسوله علم إنما جئنا معتمرين ولم نجئ لقتال أحد، ولكن من حال بيننا وبين البيت قاتلناه، فقال النبي : "فروحوا إذن" وفي لفظ: "فامضوا على اسم الله تعالى" حتى إذا كانوا ببعض الطريق قال النبي : "إن خالد بن الوليد في خيل لقريش طليعة فخذوا ذات اليمين"، فوالله ما شعر بهم خالد حتى إذا هم بقترة الجيش فانطلق يركض نذيرًا لقريش، وسار النبي حتى إذا كان بالثنية التي يهبط عليهم منها بركت به راحلته، فقال الناس: حَلْ حَلْ فألحَّت، فقالوا: خلأت القصواء خلأت القصواء. فقال النبي : "ما خلأت القصواء وما ذاك لها بخلق ولكن حبسها حابس الفيل، ثم قال : والذي نفسي بيده لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله تعالى إلا أعطيتهم إياها". ثم زجرها فوثبت فعدل عنهم حتى نزل بأقصى الحديبية على ثمد قليل الماء يتبرضه الناس تبرضًا، فلم يلبث الناس حتى نزحوه، وشكي إلى رسول الله العطش، فانتزع من كنانته سهمًا ثم أمرهم أن يجعلوه فيه فوالله ما زال يجيش لهم بالري حتى صدروا عنه.

فبينما هم كذلك إذ جاء بديل بن ورقاء الخزاعي في نفر من قومه من خزاعة، وكانوا عيبة نصح (١) رسول الله من أهل تهامة، فقال: إني تركت كعب بن لؤي وعامر بن لؤي نزلوا أعداد (٢) مياه الحديبية، معهم العوذ المطافيل وهم مقاتلوك وصادُّوك عن البيت. فقال النبي : "إنا لم نجئ لقتال أحد، ولكن جئنا معتمرين، وإن قريشًا قد نهكتهم الحرب، فأضرت بهم، فإن شاؤوا ماددتهم مدة ويخلوا بيني وبين الناس، فإن أظهر، فإن شاءوا أن يدخلوا فيما دخل فيه الناس فعلوا وإلا فقد جمّوا (٣)، وإن هم أبَوا فوالذي نفسي بيده لأقاتلنهم على أمري هذا حتى تنفرد سالفتي (٤) أو لينفذن الله أمره". قال بديل: سأبلغهم ما تقول. فانطلق حتى أتى قريشًا فقال: إنا قد جئنا من عند هذا الرجل وسمعناه يقول قولًا، فإن شئتم أن نعرضه عليكم فعلنا، فقال سفهاؤهم: لا حاجة لنا أن تخبرنا عنه بشيء. وقال ذوو الرأي منهم: هات ما سمعته


(١) أي: أنهم موضع النصح له والأمانة على سره. (فتح الباري ٥/ ٣٣٧).
(٢) أي: الماء الذي لا انقطاع له. (المصدر السابق ٥/ ٣٣٨).
(٣) أي: استراحوا.
(٤) السالفة هي: صفحة العنق، وكنى بذلك عن القتل لأن القتيل تنفرد مقدمة عنقه (المصدر السابق).