للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

سهل لكم من أمركم" قال معمر: قال الزهري في حديثه: فجاء سهيل بن عمرو فقال: هات أكتب بيننا وبينك كتابًا. فدعا النبي بعلي وقال: "اكتب بسم الله الرحمن الرحيم" فقال سهيل بن عمرو: أما الرحمن فوالله ما أدري ما هو، ولكن اكتب: باسمك اللَّهمَّ كما كنت تكتب. فقال المسلمون: والله لا نكتبها إلا باسم الله الرحمن الرحيم. فقال النبي : "اكتب باسمك اللَّهمَّ، ثم قال: هذا ما قاضى عليه محمد رسول الله" فقال سهيل: والله لو كنا نعلم أنك رسول الله ما صددناك عن البيت ولا قاتلناك، ولكن اكتب محمد بن عبد الله. فقال له النبي : "والله إني لرسول الله وإن كذبتموني، اكتب محمد بن عبد الله" قال الزهري: وذلك لقوله: "والله لا يسألوني خطة يعظمون فيها حرمات الله تعالى إلا أعطيتهم إياها" فقال له النبي : على أن تخلوا بيننا وبين البيت فنطوف به. فقال سهيل: والله لا تتحدث العرب أنا أخذنا ضغطة ولكن ذلك من العام المقبل، فكتب فقال سهيل: وعلى أن لا يأتيك منا رجل وإن كان على دينك إلا رددته إلينا فقال المسلمون: سبحان الله كيف يُردُّ إلى المشركين وقد جاء مسلمًا؟

فبينما هم كذلك إذ جاء أبو جندل بن سهيل بن عمرو يرسف (١) في قيوده قد خرج من أسفل مكة حتى رمى بنفسه بين أظهر المسلمين فقال سهيل: هذا يا محمد أول من أقاضيك عليه أن تردَّه إليَّ. فقال : "إنا لم نقض الكتاب بعد" قال: فوالله إذًا لا أصالحك على شيء أبدًا، فقال النبي : "فأجزه لي" قال: ما أنا بمجيز ذلك لك قال: "بلى فافعل" قال: ما أنا بفاعل. قال مكرز: بلى قد أجزناه لك. قال أبو جندل: أي: معشر المسلمين أُردُّ إلى المشركين وقد جئت مسلمًا، ألا ترون ما قد لقيت؟ وكان قد عذب عذابًا شديدًا في الله ﷿. قال عمر : فأتيت نبي الله فقلت: ألست نبي الله حقًا؟ قال : "بلى" قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال : "بلى" قلت: فلِمَ نعطي الدنية في ديننا إذًا؟ قال : "إني رسول الله ولست أعصيه وهو ناصري" قلت: أولست كنت تحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال : "بلى أفأخبرتك أنا نأتيه العام؟ ". قلت: لا. قال : فإنك آتيه ومطوِّف به. قال: فأتيت أبا بكر فقلت: أبا بكر أليس هذا نبي الله حقًا؟ قال: بلى. قلت: ألسنا على الحق وعدونا على الباطل؟ قال: بلى. قلت: فلم نعطي الدنية في ديننا إذًا؟ قال: أيها الرجل إنه رسول الله وليس يعصي ربه، وهو ناصره فاستمسك بغرزه، فوالله إنه على الحق. قلت: أوليس كان يحدثنا أنا سنأتي البيت ونطوف به؟ قال: بلى، أفأخبرك أنك تأتيه العام؟ قلت: لا. قال: فإنك تأتيه وتطوف به.

قال الزهري: قال عمر : فعملت لذلك أعمالًا. قال: فلما فرغ من قضية الكتاب قال رسول الله لأصحابه: "قوموا فانحروا ثم احلقوا" قال: فوالله ما قام منهم رجل حتى قال ذلك ثلاث مرات، فلما لم يقم منهم أحد دخل على أُم سلمة ، فذكر لها ما لقي من الناس، قالت له أم سلمة : يا نبي الله أتحب ذلك؟ اخرج ثم لا تكلم أحدًا منهم كلمة حتى تنحر بدنك وتدعو حالقك فيحلقك، فخرج رسول الله ، فلم يكلم أحدًا منهم حتى فعل ذلك، نحر بدنه ودعا حالقه فحلقه. فلما رأوا ذلك قاموا فنحروا وجعل بعضهم يحلق بعضًا حتى كاد


(١) أي: يمشي مشيًا بطيئًا بسبب القيد (المصدر السابق ٥/ ٣٤٤).