للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن بن موسى، حدثنا ابن لهيعة، حدثنا دراج، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد، عن رسول الله أنه قال: "لو أن أحدكم يعمل في صخرة صماء ليس لها باب ولا كوة لخرج عمله للناس كائنًا ما كان" (١).

وقال الإمام أحمد: حدثنا حسن، حدثنا زهير، حدثنا قابوس بن أبي ظبيان أن أباه حدثه عن ابن عباس، عن النبي قال: "إن الهدي الصالح والسمت الصالح والاقتصاد جزء من خمسة وعشرين جزءًا من النبوة" (٢). ورواه أبو داود، عن عبد الله بن محمد النفيلي، عن زهير به (٣).

فالصحابة خلصت نياتهم وحسنت أعمالهم فكل من نظر إليهم أعجبوه في سمتهم وهديهم.

وقال مالك : بلغني أن النصارى كانوا إذا رأوا الصحابة الذين فتحوا الشام يقولون: واللهِ لهؤلاء خير من الحواريين فيما بلغنا، وصدقوا في ذلك فإن هذه الأمة معظمة في الكتب المتقدمة، وأعظمها وأفضلها أصحاب رسول الله ، وقد نوه الله بذكرهم في الكتب المنزلة والأخبار المتداولة، ولهذا قال ههنا: ﴿ذَلِكَ مَثَلُهُمْ فِي التَّوْرَاةِ﴾ ثم قال: ﴿وَمَثَلُهُمْ فِي الْإِنْجِيلِ كَزَرْعٍ أَخْرَجَ شَطْأَهُ﴾ أي: فراخه ﴿فَآزَرَهُ﴾ أي: شده ﴿فَاسْتَغْلَظَ﴾ أي: شبَّ وطال ﴿فَاسْتَوَى عَلَى سُوقِهِ يُعْجِبُ الزُّرَّاعَ﴾ أي: فكذلك أصحاب رسول الله آزروه وأيدوه ونصروه فهم معه كالشطء مع الزرع ﴿لِيَغِيظَ بِهِمُ الْكُفَّارَ﴾.

ومن هذه الآية انتزع الإمام مالك ، في رواية عنه، بتكفير الروافض الذين يبغضون الصحابة قال: لأنهم يغيظونهم ومن غاظ الصحابة فهو كافر لهذه الآية، ووافقه طائفة من العلماء على ذلك، والأحاديث في فضل الصحابة والنهي عن التعرض لهم بمساءة كثيرة، ويكفيهم ثناء الله عليهم ورضاه عنهم: ثم قال: ﴿وَعَدَ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ مِنْهُمْ﴾ من هذه لبيان الجنس ﴿مَغْفِرَةً﴾ أي: لذنوبهم ﴿وَأَجْرًا عَظِيمًا﴾ أي: ثوابًا جزيلًا ورزقًا كريمًا. ووعد الله حق وصدق لا يخلف ولا يبدل، وكل من اقتفى أثر الصحابة فهو في حكمهم، ولهم الفضل والسبق والكمال الذي لا يلحقهم فيه أحد من هذه الأمة، وأرضاهم وجعل جنات الفردوس مأواهم، وقد فعل.

قال مسلم في صحيحه: حدثنا يحيى بن يحيى، حدثنا أبو معاوية، عن الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: قال رسول الله : "لا تسبوا أصحابي فوالذي نفسي بيده لو أن أحدكم أنفق مثل أحد ذهبًا ما أدرك مد أحدهم ولا نصيفه" (٤).

آخر تفسير سورة الفتح ولله الحمد والمنة.


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ١٧/ ٣٣٠ ح ١١٢٣٠) وضعف سنده محققوه.
(٢) أخرجه الامام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٤/ ٤٣٢ ح ٢٦٨) وقال محققوه: حسن لغيره.
(٣) سنن أبي داود، الأدب، باب في الوقار (ح ٤٧٧٦) وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ح ٣٩٩٦).
(٤) أخرجه مسلم بسنده ومتنه (الصحيح، فضائل الصحابة، باب تحريم سب الصحابة ح ٢٥٤٠).