للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وَأَنْفُسِهِمْ فِي سَبِيلِ اللَّهِ﴾ أي: وبذلوا مهجهم ونفائس أموالهم في طاعة الله ورضوانه ﴿أُولَئِكَ هُمُ الصَّادِقُونَ﴾ أي: في قولهم إذا قالوا إنهم مؤمنون، لا كبعض الأعراب الذين ليس لهم من الإيمان إلا الكلمة الظاهرة.

وقال الإمام أحمد: حدثنا يحيى بن غيلان، حدثنا رشدين، حدثنا عمرو بن الحارث، عن أبي السمح، عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد قال: إن النبي قال: "المؤمنون في الدنيا على ثلاثة أجزاء: الذين آمنوا بالله ورسوله ثم لم يرتابوا وجاهدوا بأموالهم وأنفسهم في سبيل الله، والذي يأمنه الناس على أموالهم وأنفسهم، والذي إذا أشرف على طمع [تركه] (١) لله ﷿" (٢).

وقوله: ﴿قُلْ أَتُعَلِّمُونَ اللَّهَ بِدِينِكُمْ﴾ أي: أتخبرونه بما في ضمائركم ﴿وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ﴾ أي: لا يخفى عليه مثقال ذرة في الأرض ولا في السماء ولا أصغر من ذلك ولا أكبر ﴿وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ﴾

ثم قال تعالى: ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ﴾ يعني: الأعراب الذين يمنون بإسلامهم ومتابعتهم ونصرتهم على الرسول يقول الله تعالى رادًّا عليهم: ﴿قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ﴾ فإن نفع ذلك إنما يعود عليكم ولله المنة عليكم فيه ﴿بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ﴾ أي: في دعواكم ذلك كما قال النبي للأنصار يوم حنين: "يا معشر الأنصار ألم أجدكم ضلالًا فهداكم الله بي؟ وكنتم متفرقين فألفكم الله بي؟ وكنتم عالة فأغناكم الله بي؟ " كلما قال شيئًا قالوا: الله ورسوله أَمْنّ (٣).

وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا إبراهيم بن سعيد الجوهري، حدثنا يحيى بن سعيد الأُموي، عن محمد بن قيس، عن أبي عون، عن سعيد بن جبير، عن ابن عباس قال: جاءت بنو أسد إلى رسول الله فقالوا: يا رسول الله أسلمنا وقاتلتك العرب ولم نقاتلك. فقال رسول الله : "إن فقههم قليل وإن الشيطان ينطق على ألسنتهم". ونزلت هذه الآية ﴿يَمُنُّونَ عَلَيْكَ أَنْ أَسْلَمُوا قُلْ لَا تَمُنُّوا عَلَيَّ إِسْلَامَكُمْ بَلِ اللَّهُ يَمُنُّ عَلَيْكُمْ أَنْ هَدَاكُمْ لِلْإِيمَانِ إِنْ كُنْتُمْ صَادِقِينَ (١٧)(٤). ثم قال: لا نعلمه يروى إلا من هذا الوجه، ولا نعلم روى أبو عون محمد بن عبيد الله، عن سعيد بن جبير غير هذا الحديث.


(١) كذا في (حم) و (مح)، وفي الأصل: "يذكر".
(٢) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٣/ ٨) وسنده ضعيف لضعف رشدين، وضعف رواية أبي السمح عن أبي الهيثم.
(٣) أخرجه الشيخان من حديث عبد الله بن زيد بن عاصم . (صحيح البخاري، المغازي، باب غزوة الطائف (ح ٤٣٣٠)، وصحيح مسلم، الزكاة، باب إعطاء المؤلفة قلوبهم على الإسلام (ح ١٣٩).
(٤) أخرجه النسائي من طريق يحيى بن سعيد الأموي به (السنن الكبرى، التفسير، سورة الحجرات ح ١١٥١٩) وسنده حسن. وأخرجه الطبراني من حديث عبد الله بن أبي أوفى (المعجم الأوسط ٩/ ١٠ ح ٨٠١٢) وحسن سنده السيوطي في الدر المنثور، وقال الهيثمي: وفيه الحجاج بن أرطأة وهو ثقة لكنه مدلس، وبقية رجاله رجال الصحيح. (مجمع الزوائد ٧/ ١١١).