للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

ألا إني أرى رزقي في السماء وأنا أطلبه في الأرض؟ فدخل خربة فمكث ثلاثًا لا يصيب شيئًا، فلما أن كان اليوم الثالث إذا هو بدوخلة (١) من رطب، وكان له أخ أحسن نية منه، دخل معه فصارتا دوخلتين، فلم يزل ذلك دأبهما حتى فرَّق بينهما الموت (٢).

وقوله: ﴿فَوَرَبِّ السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّهُ لَحَقٌّ مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ (٢٣)﴾ يقسم تعالى بنفسه الكريمة أن ما وعدهم به من أمر القيامة والبعث والجزاء كائن لا محالة، وهو حق لا مرية فيه، فلا تشكُّوا فيه كما لا تشكُّوا في نطقكم حين تنطقون، وكان معاذ إذا حدث بالشيء يقول لصاحبه: إن هذا لحق كما أنك ههنا.

قال مسدد: عن ابن أبي عدي، عن عوف، عن الحسن البصري قال: بلغني أن رسول الله قال: "قاتل الله أقوامًا أقسم لهم ربهم ثم لم يصدقوا" (٣). ورواه ابن جرير، عن بُندار، عن ابن أبي عدي، عن عوف، عن الحسن فذكره مرسلًا (٤).

﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (٢٤) إِذْ دَخَلُوا عَلَيْهِ فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ قَوْمٌ مُنْكَرُونَ (٢٥) فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ (٢٦) فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ (٢٧) فَأَوْجَسَ مِنْهُمْ خِيفَةً قَالُوا لَا تَخَفْ وَبَشَّرُوهُ بِغُلَامٍ عَلِيمٍ (٢٨) فَأَقْبَلَتِ امْرَأَتُهُ فِي صَرَّةٍ فَصَكَّتْ وَجْهَهَا وَقَالَتْ عَجُوزٌ عَقِيمٌ (٢٩) قَالُوا كَذَلِكِ قَالَ رَبُّكِ إِنَّهُ هُوَ الْحَكِيمُ الْعَلِيمُ (٣٠)﴾.

هذه القصة قد تقدمت في سورة هود والحجر أيضًا فقوله: ﴿هَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ ضَيْفِ إِبْرَاهِيمَ الْمُكْرَمِينَ (٢٤)﴾ أي: الذين أرصد لهم الكرامة، وقد ذهب الإمام أحمد وطائفة من العلماء إلى وجوب الضيافة للنزيل، وقد وردت السنة بذلك كما هو ظاهر التنزيل.

وقوله تعالى: ﴿فَقَالُوا سَلَامًا قَالَ سَلَامٌ﴾ الرفع أقوى وأثبت من النصب، فردُّه أفضل من التسليم ولهذا قال تعالى: ﴿وَإِذَا حُيِّيتُمْ بِتَحِيَّةٍ فَحَيُّوا بِأَحْسَنَ مِنْهَا أَوْ رُدُّوهَا﴾ [النساء: ٨٦] فالخليل اختار الأفضل.

وقوله تعالى: ﴿قَوْمٌ مُنْكَرُونَ﴾ وذلك أن الملائكة وهم جبريل وميكائيل وإسرافيل قدموا عليه في صورة شُبان حِسان عليهم مهابة عظيمة ولهذا قال: ﴿قَوْمٌ مُنْكَرُونَ﴾

وقوله: ﴿فَرَاغَ إِلَى أَهْلِهِ﴾ أي: انسلَّ خفية في سرعة ﴿فَجَاءَ بِعِجْلٍ سَمِينٍ﴾ أي: من خيار ماله، وفي الآية الأخرى: ﴿فَمَا لَبِثَ أَنْ جَاءَ بِعِجْلٍ حَنِيذٍ﴾ [هود: ٦٩] أي: مشوي على الرضف

﴿فَقَرَّبَهُ إِلَيْهِمْ﴾ أي: أدناه منهم ﴿قَالَ أَلَا تَأْكُلُونَ﴾ تلطَّف في العبارة وعرض حسن.

وهذه الآية انتظمت آداب الضيافة فإنه جاء بطعام من حيث لا يشعرون بسرعة، ولم يمتن عليهم أولًا فقال: نأتيكم بطعام بل جاء به بسرعة وخفاء، وأتى بأفضل مما وجد من ماله، وهو عجل فتي سمين مشوي، فقربه إليهم لم يضعه وقال اقتربوا، بل وضعه بين أيديهم ولم يأمرهم أمرًا يشق على سامعه بصيغة الجزم بل قال: ﴿أَلَا تَأْكُلُونَ﴾ على سبيل العرض


(١) سلة تنسج من الخوص كالزنبيل يخزن فيها التمر.
(٢) أخرجه الطبري بسند فيه ابن حميد وهو محمد بن حميد الرازي وهو ضعيف.
(٣) سنده ضعيف لأن الحسن رواه بلاغًا وهو من مراسيله.
(٤) أخرجه الطبري عن محمد بن بشار وهو بندار به، وسنده كسابقه.