للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: ﴿أَعِنْدَهُ عِلْمُ الْغَيْبِ فَهُوَ يَرَى (٣٥)﴾ أي: أعند هذا الذي قد أمسك يده خشية الإنفاق وقطع معروفه، أعنده علم الغيب أنه سينفد ما في يده حتى قد أمسك عن معروفه فهو يرى ذلك عيانًا؟ أي: ليس الأمر كذلك. وإنما أمسك عن الصدقة والمعروف والبر والصلة بخلًا وشحًا وهلعًا، ولهذا جاء في الحديث: "أنفق بلالًا ولا تخشَ من ذي العرش إقلالًا" (١). وقد قال الله تعالى: ﴿وَمَا أَنْفَقْتُمْ مِنْ شَيْءٍ فَهُوَ يُخْلِفُهُ وَهُوَ خَيْرُ الرَّازِقِينَ﴾ [سبأ: ٣٩].

وقوله تعالى: ﴿أَمْ لَمْ يُنَبَّأْ بِمَا فِي صُحُفِ مُوسَى (٣٦) وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧)﴾ قال سعيد بن جبير والثوري؛ أي: بلّغ جميع ما أمر به (٢).

وقال ابن عباس: ﴿وَفَّى﴾ لله بالبلاع.

وقال سعيد بن جبير: ﴿وَفَّى﴾ ما أمر به (٣).

وقال قتادة: ﴿وَفَّى﴾ طاعة الله وأدى رسالته إلى خلقه (٤). وهذا القول هو اختيار ابن جرير، وهو يشمل الذي قبله ويشهد له قوله تعالى: ﴿وَإِذِ ابْتَلَى إِبْرَاهِيمَ رَبُّهُ بِكَلِمَاتٍ فَأَتَمَّهُنَّ قَالَ إِنِّي جَاعِلُكَ لِلنَّاسِ إِمَامًا﴾ [البقرة: ١٢٤] فقام بجميع الأوامر وترك جميع النواهي وبلغ الرسالة على التمام والكمال، فاستحق بهذا أن يكون للناس إمامًا يقتدى به في جميع أحواله وأقواله وأفعاله. قال الله تعالى: ﴿ثُمَّ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ أَنِ اتَّبِعْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (١٢٣)[النحل].

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا محمد بن عوف الحمصي، حدثنا آدم بن أبي إياس العسقلاني، حدثنا حماد بن سلمة، حدثنا جعفر بن الزبير، عن القاسم، عن أبي أُمامة قال: تلا رسول الله هذه الآية ﴿وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى (٣٧)﴾ قال: "أتدري ما وفى؟ " قلت: الله ورسوله أعلم. قال: "وفَّى عمل يومه بأربع ركعات من أول النهار" ورواه ابن جرير من حديث جعفر بن الزبير (٥)، وهو ضعيف.

وقال الترمذي في جامعه: حدثنا أبو جعفر السمناني، حدثنا أبو مسهر، حدثنا إسماعيل بن عياش، عن يحيى بن سعد، عن خالد بن معدان، عن جبير بن نفير، عن أبي الدرداء وأبي ذرٍّ عن رسول الله عن الله ﷿ أنه قال: "ابن آدم اركع لي أربع ركعات من أول النهار أكفك آخره" (٦).

قال ابن أبي حاتم : وحدثنا أبي، حدثنا الربيع بن سليمان، حدثنا أسد بن موسى،


(١) تقدم تخريجه في تفسير سورة البقرة آية ٢١٢.
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة بسند صحيح من طريق أبي حصين عن سعيد بن جبير (المصنف ٧/ ٤٤٧).
(٣) تقدم كسابقه.
(٤) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
(٥) أخرجه الطبري من طريق إسرائيل عن جعفر بن الزبير به، وجعفر ضعيف كما قرر الحافظ ابن كثير، والحافظ ابن حجر في التقريب.
(٦) أخرجه الترمذي بسنده ومتنه (السنن، الصلاة، باب ما جاء في صلاة الضحى ح ٤٧٥) وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (ح ٣٩٥).