للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

من بعد الله؟ وهذه الآية كقوله تعالى: ﴿قُلْ فَلِلَّهِ الْحُجَّةُ الْبَالِغَةُ فَلَوْ شَاءَ لَهَدَاكُمْ أَجْمَعِينَ (١٤٩)[الأنعام] وكذا قوله تعالى: ﴿وَمَا تُغْنِي الْآيَاتُ وَالنُّذُرُ عَنْ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ﴾ [يونس: ١٠١].

﴿فَتَوَلَّ عَنْهُمْ يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ (٦) خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ (٧) مُهْطِعِينَ إِلَى الدَّاعِ يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ (٨)﴾.

يقول تعالى: فتول يا محمد عن هؤلاء الذين إذا رأوا آية يعرضون ويقولون هذا سحر مستمر، أعرض عنهم وانتظرهم ﴿يَوْمَ يَدْعُ الدَّاعِ إِلَى شَيْءٍ نُكُرٍ﴾ أي: إلى شيء منكر فظيع، وهو موقف الحساب وما فيه من البلاء بل والزلازل والأهوال،

﴿خُشَّعًا أَبْصَارُهُمْ﴾ أي: ذليلة أبصارهم ﴿يَخْرُجُونَ مِنَ الْأَجْدَاثِ﴾ وهي القبور ﴿كَأَنَّهُمْ جَرَادٌ مُنْتَشِرٌ﴾ أي: كأنهم في انتشارهم وسرعة سيرهم إلى موقف الحساب إجابة للداعي جراد منتشر في الآفاق، ولهذا قال: ﴿مُهْطِعِينَ﴾ أي: مسرعين ﴿إِلَى الدَّاعِ﴾ لا يخالفون ولا يتأخرون ﴿يَقُولُ الْكَافِرُونَ هَذَا يَوْمٌ عَسِرٌ﴾ أي: يوم شديد الهول عبوس قمطرير ﴿فَذَلِكَ يَوْمَئِذٍ يَوْمٌ عَسِيرٌ (٩) عَلَى الْكَافِرِينَ غَيْرُ يَسِيرٍ (١٠)[المدثر].

﴿كَذَّبَتْ قَبْلَهُمْ قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ (٩) فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (١٠) فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (١١) وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا فَالْتَقَى الْمَاءُ عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ (١٢) وَحَمَلْنَاهُ عَلَى ذَاتِ أَلْوَاحٍ وَدُسُرٍ (١٣) تَجْرِي بِأَعْيُنِنَا جَزَاءً لِمَنْ كَانَ كُفِرَ (١٤) وَلَقَدْ تَرَكْنَاهَا آيَةً فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٥) فَكَيْفَ كَانَ عَذَابِي وَنُذُرِ (١٦) وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذِّكْرِ فَهَلْ مِنْ مُدَّكِرٍ (١٧)﴾.

يقول تعالى: ﴿كَذَّبَتْ﴾ قبل قومك يا محمد ﴿قَوْمُ نُوحٍ فَكَذَّبُوا عَبْدَنَا﴾ أي: صرحوا له بالتكذيب واتهموه بالجنون ﴿وَقَالُوا مَجْنُونٌ وَازْدُجِرَ﴾.

قال مجاهد: ﴿وَازْدُجِرَ﴾ أي: استطير جنونًا (١)، وقيل: وازدجر؛ أي: انتهروه وزجروه وتواعدوه ﴿لَئِنْ لَمْ تَنْتَهِ يَانُوحُ لَتَكُونَنَّ مِنَ الْمَرْجُومِينَ﴾ [الشعراء: ١١٦] قاله ابن زيد (٢)، وهذا متوجه حسن.

﴿فَدَعَا رَبَّهُ أَنِّي مَغْلُوبٌ فَانْتَصِرْ (١٠)﴾ أي: إني ضعيف عن هؤلاء وعن مقاومتهم فانتصر أنت لدينك (٣).

قال الله تعالى: ﴿فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (١١)﴾ قال السدي: وهو الكثير.

﴿وَفَجَّرْنَا الْأَرْضَ عُيُونًا﴾ أي: نبعت جميع أرجاء الأرض حتى التنانير التي هي محال النيران نبعت عيونًا ﴿فَالْتَقَى الْمَاءُ﴾ أي: من السماء والأرض ﴿عَلَى أَمْرٍ قَدْ قُدِرَ﴾ أي: أمر مقدر.

قال ابن جريج، عن ابن عباس ﴿فَفَتَحْنَا أَبْوَابَ السَّمَاءِ بِمَاءٍ مُنْهَمِرٍ (١١)﴾ كثير لم تمطر السماء قبل ذلك اليوم ولا بعده إلا من السحاب، فتحت أبواب السماء بالماء من غير سحاب ذلك اليوم،


(١) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٢) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن وهب عن ابن زيد.
(٣) معناه صحيح.