للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

بوجودها، ها هي حاضرة تشاهدونها عيانًا، يقال لهم ذلك تقريعًا وتوبيخًا وتصغيرًا وتحقيرًا.

وقوله تعالى: ﴿يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (٤٤)﴾ أي: تارة يعذبون في الجحيم وتارة يسقون من الحميم، وهو الشراب الذي هو كالنحاس المذاب يقطع الأمعاء والأحشاء، وهذه كقوله تعالى: ﴿إِذِ الْأَغْلَالُ فِي أَعْنَاقِهِمْ وَالسَّلَاسِلُ يُسْحَبُونَ (٧١) فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (٧٢)[غافر].

وقوله: ﴿آنٍ﴾ أي: حار قد بلغ الغاية في الحرارة لا يستطاع من شدة ذلك، قال ابن عباس في قوله: ﴿يَطُوفُونَ بَيْنَهَا وَبَيْنَ حَمِيمٍ آنٍ (٤٤)﴾ أي: قد انتهى غليه واشتد حره، وكذا قال مجاهد وسعيد بن جبير والضحاك والحسن والثوري والسدي (١).

وقال قتادة: قد آن طبخه منذ خلق الله السماوات والأرض (٢).

وقال محمد بن كعب القرظي: يؤخذ العبد فيحرك بناصيته في ذلك الحميم حتى يذوب اللحم ويبقى العظم والعينان في الرأس وهي كالتي يقول الله تعالى: ﴿فِي الْحَمِيمِ ثُمَّ فِي النَّارِ يُسْجَرُونَ (٧٢)﴾ والحميم الآن يعني: الحار.

وعن القرظي رواية أخرى ﴿حَمِيمٍ آنٍ﴾ أي: حاضر وهو قول ابن زيد أيضًا (٣)، والحاضر لا ينافي ما روي عن القرظي أولًا أنه الحار كقوله تعالى: ﴿تُسْقَى مِنْ عَيْنٍ آنِيَةٍ (٥)[الغاشية] أي: حارة شديدة الحر لا تستطاع، وكقوله: ﴿غَيْرَ نَاظِرِينَ إِنَاهُ﴾ [الأحزاب: ٥٣] يعني: استواءه ونضجه فقوله: ﴿حَمِيمٍ آنٍ﴾ أي: حميم حار جدًا.

ولما كان معاقبة العصاة المجرمين وتنعيم المتقين من فضله ورحمته وعدله ولطفه بخلقه، وكان إنذاره لهم عن عذابه وبأسه مما يزجرهم عما هم فيه من الشرك والمعاصي وغير ذلك قال ممتنًا بذلك على بريته: ﴿فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٤٥)﴾؟

﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (٤٦) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٤٧) ذَوَاتَا أَفْنَانٍ (٤٨) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٤٩) فِيهِمَا عَيْنَانِ تَجْرِيَانِ (٥٠) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٥١) فِيهِمَا مِنْ كُلِّ فَاكِهَةٍ زَوْجَانِ (٥٢) فَبِأَيِّ آلَاءِ رَبِّكُمَا تُكَذِّبَانِ (٥٣)﴾.

قال [ابن شوذب] (٤) وعطاء الخراساني: نزلت هذه الآية ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (٤٦)﴾ في أبي بكر الصديق (٥).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي حدثنا محمد بن مصفي، حدثنا بقية، عن أبي بكر بن أبي مريم، عن عطية بن قيس في قوله تعالى: ﴿وَلِمَنْ خَافَ مَقَامَ رَبِّهِ جَنَّتَانِ (٤٦)﴾ نزلت في الذي قال:


(١) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس بلفظ: "انتهى حره"، وأخرجه آدم والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد، وأخرجه الطبري بسند ضعيف عن الضحاك فيه إبهام شيخ الطبري ويتقوى بما سبق.
(٢) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة.
(٣) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عبد الله بن وهب عن ابن زيد.
(٤) كذا في (حم) و (ح)، وفي الأصل صُحف إلى: ابن شوذبة.
(٥) نسبه السيوطي إلى ابن أبي حاتم عن ابن شوذب وعطاء وكلاهما ضعيف لأن كل واحد منهما معضل.