للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

حصونهم الحصينة التي ما طمع فيها المسلمون وظنوا هم أنها مانعتهم من بأس الله، فما أغنى عنهم من الله شيئًا وجاءهم من الله ما لم يكن ببالهم، [وسيَّرهم] (١) رسول الله وأجلاهم من المدينة، فكان منهم طائفة ذهبوا إلى أذرعات من أعالي الشام، وهي أرض المحشر والمنشر، ومنهم طائفة ذهبوا إلى خيبر، وكان قد أنزلهم منها على أن لهم ما حملت إبلهم، فكانوا يخربون ما في بيوتهم من المنقولات التي لا يمكن أن تحمل معهم، ولهذا قال تعالى: ﴿يُخْرِبُونَ بُيُوتَهُمْ بِأَيْدِيهِمْ وَأَيْدِي الْمُؤْمِنِينَ فَاعْتَبِرُوا يَاأُولِي الْأَبْصَارِ﴾ أي: تفكروا في عاقبة من خالف أمر الله وخالف رسوله وكذب كتابه كيف يحلّ به من بأسه المخزي له في الدنيا مع ما يدخره له في الآخرة من العذاب الأليم.

قال أبو داود: حدثنا محمد بن داود وسفيان، حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عبد الرحمن بن كعب بن مالك، عن رجل من أصحاب النبي أن كفار قريش كتبوا إلى [ابن أُبي ومن] (٢) كان معه يعبد الأوثان من الأوس، والخزرج، ورسول الله يومئذٍ بالمدينة قبل وقعة بدر: إنكم آويتم صاحبنا وإنا نقسم بالله لنقاتلنه أو لنخرجنه أو لنسيرنَّ إليكم بأجمعنا حتى نقتل مقاتلتكم ونسبي نساءكم، فلما بلغ ذلك عبد الله بن أُبي ومن كان معه من عبدة الأوثان أجمعوا لقتال النبي ، فلما بلغ ذلك النبي لقيهم فقال: "لقد بلغ وعيد قريش منكم المبالغ ما كانت تكيدكم بأكثر مما تريد أن تكيدوا به أنفسكم يريدون أن يقاتلوا أبناءكم وإخوانكم" فلما سمعوا ذلك من النبي تفرقوا، فبلغ ذلك كفار قريش فكتبت كفار قريش بعد وقعة بدر إلى اليهود: إنكم أهل الحلقة والحصون وإنكم لتقاتلن مع صاحبنا أو لنفعلن كذا وكذا، ولا يحول بيننا وبين خدم نسائكم شيء وهو الخلاخل، فلما بلغ كتابهم النبي أيقنت بنو النضير بالغدر، فأرسلوا إلى النبي : أخرج إلينا في ثلاثين رجلًا من أصحابك وليخرج منا ثلاثون [حبرًا حتى نلتقي بمكان النصف، وليسمعوا منك فإن صدقوك وآمنوا بكَ آمنا بكَ] (٣).

فلما كان الغد غدا عليهم رسول الله بالكتائب فحصرهم فقال لهم: "إنكم والله لا تؤمنون عندي إلا بعهد تعاهدونني عليه، فأبوا أن يعطوه عهدًا فقاتلهم يومهم ذلك"، ثم غدا من الغد على بني قريظة بالكتائب وترك بني النضير ودعاهم إلى أن يعاهدوه فعاهدوه، فانصرف عنهم وغدا إلى بني النضير بالكتائب، فقاتلهم حتى نزلوا على الجلاء، فجلتْ بنو النضير واحتملوا ما أقلَّت الإبل من أمتعتهم وأبواب بيوتهم وخشبها، وكان نخل بني النضير لرسول الله خاصة أعطاه الله إياها وخصَّه بها فقال تعالى: ﴿وَمَا أَفَاءَ اللَّهُ عَلَى رَسُولِهِ مِنْهُمْ فَمَا أَوْجَفْتُمْ عَلَيْهِ مِنْ خَيْلٍ وَلَا رِكَابٍ﴾ [الحشر: ٦] يقول بغير قتال، فأعطى النبي أكثرها للمهاجرين قسمها بينهم وقسم منها لرجلين من الأنصار، وكانا ذوي حاجة ولم يقسم من الأنصار غيرهما، وبقي منها صدقة رسول الله التي في أيدي بني فاطمة (٤).


(١) كذا في (ح) وفي الأصل صحف إلى: "وسرهم".
(٢) كذا في (حم) وسنن أبي داود، وفي الأصل حُرِّف إلى: "ابن أم رب".
(٣) كذا في (حم)، وفي الأصل بياض.
(٤) أخرجه أبو داود بسنده ومتنه. (السنن، الخراج والإمارة، باب في خبر النضير ح ٣٠٠٤) وصحح سنده =