للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

إذا جلس النبي يوم الجمعة وهو يخطب الناس قام فقال: أيها الناس، هذا رسول الله بين أظهركم، أكرمكم الله به وأعزكم به فانصروه وعزروه واسمعوا له وأطيعوا، ثم يجلس حتى إذا صنع يوم أُحد ما صنع؛ يعني: مرجعه بثلث الجيش ورجع الناس، قام يفعل ذلك كما كان يفعله، فأخذ المسلمون بثيابه من نواحيه وقالوا: اجلس، أي عدو الله لست لذلك بأهل وقد صنعت ما صنعت، فخرج يتخطى رقاب الناس وهو يقول: والله لكأنما قلت بجرًا أن قمت أشدد أمره، فلقيه رجال من الأنصار بباب المسجد فقالوا: ويلك ما لك؟ قال: قمت أشدد أمره فوثب علي رجال من أصحابه يجذبونني ويعنفونني، لكأنما قلت بجرًا أن قمت أشدد أمره. قالوا: ويلك ارجع يستغفر لك رسول الله ، فقال: والله ما أبتغي أن يستغفر لي (١).

وقال قتادة والسدي: أنزلت هذه الآية في عبد الله بن أُبي، وذلك أن غلامًا من قرابته انطلق إلى رسول الله ، فحدثه بحديث عنه وأمر شديد، فدعاه رسول الله فإذا هو يحلف بالله ويتبرأ من ذلك، وأقبلت الأنصار على ذلك الغلام فلاموه وعزلوه، وأنزل الله فيه ما تسمعون، وقيل لعدو الله: لو أتيت رسول الله فجعل يلوي رأسه؛ أي: لست فاعلًا (٢).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو الربيع الزهراني، حدثنا حماد بن زيد، حدثنا أيوب، عن سعيد بن جبير أن رسول الله كان إذا نزل منزلًا لم يرتحل حتى يصلي فيه، فلما كانت غزوة تبوك بلغه أن عبد الله بن أُبي بن سلول قال: ليخرجن الأعز منها الأذل، فارتحل قبل أن ينزل آخر النهار، وقيل لعبد الله بن أُبي: ائت النبي حتى يستغفر لك، فأنزل الله تعالى: ﴿إِذَا جَاءَكَ الْمُنَافِقُونَ﴾ إلى قوله: ﴿وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ تَعَالَوْا يَسْتَغْفِرْ لَكُمْ رَسُولُ اللَّهِ لَوَّوْا رُءُوسَهُمْ﴾ (٣) وهذا إسناد صحيح إلى سعيد بن جبير. وقوله: إن ذلك كان في غزوة تبوك فيه نظر بل ليس بجيد، فإن عبد الله بن أبي بن سلول لم يكن ممن خرج في غزوة تبوك، بل رجع بطائفة من الجيش، وإنما المشهور عند أصحاب المغازي والسير أن ذلك في غزوة المريسيع، وهي غزوة بني المصطلق.

وقال يونس بن بكير، عن ابن إسحاق: حدثني محمد بن يحيى بن حبان وعبد الله بن أبي بكر وعاصم بن عمر بن قتادة في قصة بني المصطلق، فبينما رسول الله مقيم هناك اقتتل على الماء جهجاه بن سعيد الغفاري، وكان أجيرًا لعمر بن الخطاب وسنان بن وبر.

قال ابن إسحاق: فحدثني محمد بن يحيى بن حبان قال: ازدحما على الماء فاقتتلا، فقال سنان: يا معشر الأنصار، وقال الجهجاه: يا معشر المهاجرين، وزيد بن أرقم ونفر من الأنصار عند عبد الله بن أُبي، فلما سمعها قال: قد ثاورونا في بلادنا، والله ما مثلنا وجلابيب قريش هذه إلا كما قال القائل: سمّن كلبك يأكلك، والله لئن رجعنا إلى المدينة ليخرجن الأعز منها الأذل، ثم أقبل على من عنده من قومه وقال: ما صنعتم بأنفسكم، أحللتموهم بلادكم، وقاسمتموهم


(١) سنده ضعيف لأنه مرسل، وذكره ابن هشام (السيرة النبوية ٢/ ١٠٥)، ويتقوى بالمراسيل التالية.
(٢) أخرجه عبد الرزاق بسند رجاله ثقات عن معمر عن قتادة لكنه مرسل، وأخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند رجاله ثقات من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد لكنه مرسل، وهذان المرسلان يقوي أحدهما الآخر، ويتقوى أيضًا بالروايات المرسلة والموصولة التالية.
(٣) رجاله ثقات لكنه مرسل، ويتقوى بسابقه ولاحقه.