للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

يشتد عليه أن يوجد منه الريح يعني الريح الخبيثة، ولهذا قلنَّ له: أكلت مغافير لأن ريحها فيه شيء، فلما قال: "بل شربت عسلًا" قلن: جَرَست نحُلُّه العرفط (١). أي: رعت نحله شجر العرفط الذي صمغه المغافير، فلهذا ظهر ريحه في العسل الذي شربته.

قال الجوهري: جرست النحل العرفط تجرس إذا أكلته، ومنه قيل: للنحل جوارس.

قال الشاعر:

تَظلّ على الثمراء منها جَوارسُ

وقال: الجَرْس والجِرْس: الصوت الخفي، ويقال: سمعت جرس الطير إذا سمعت صوت مناقيرها على شيء تأكله، وفي الحديث فيسمعون جرس طير الجنة. قال الأصمعي كنت في مجلس شعبة قال: فيسمعون جرش طير الجنة بالشين، فقلت: جرس. فنظر إليَّ فقال: خذوها عنه فإنه أعلم بهذا منا (٢).

والغرض أن هذا السياق فيه أن حفصة هي الساقية للعسل وهو من طريق هشام بن عروة، عن أبيه، عن خالته، عن عائشة وفي طريق ابن جريج، عن عطاء، عن عبيد بن عمير، عن عائشة أن زينب بنت جحش هي التي سقته العسل، وأن عائشة وحفصة تواطأتا وتظاهرتا عليه فالله أعلم.

وقد يقال: إنهما واقعتان ولا بُعد في ذلك إلا أن كونها سببًا لنزول هذه الآية فيه نظر والله أعلم.

ومما يدل على أن عائشة وحفصة هما المتظاهرتان الحديث الذي رواه الإمام أحمد في مسنده حيث قال: حدثنا عبد الرزاق، أخبرنا معمر، عن الزهري، عن عبيد الله بن عبد الله بن أبي ثور، عن ابن عباس قال: لم أزل حريصًا على أن أسأل عمر عن المرأتين من أزواج النبي اللّتين قال الله تعالى: ﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾ حتى حج عمر وحججت معه، فلما كان ببعض الطريق عدل عمر وعدلت معه بالإداوة فتبرَّز ثم أتاني فسكبت على يديه، فتوضأ فقلت: يا أمير المؤمنين من المرأتان من أزواج النبي اللتان قال الله تعالى: ﴿إِنْ تَتُوبَا إِلَى اللَّهِ فَقَدْ صَغَتْ قُلُوبُكُمَا﴾؟ فقال عمر: واعجبًا لك يا ابن عباس. قال الزهري: كره والله ما سأله عنه ولم يكتمه قال: هي عائشة وحفصة.

قال: ثم أخذ يسوق الحديث قال: كنا معشر قريش قومًا نغلب النساء، فلما قدمنا المدينة وجدنا قومًا تغلبهم نساؤهم فطفق نساؤنا يتعلمن من نسائهم قال: وكان منزلي في دار بني أُمية بن زيد بالعوالي، قال: فغضبت يومًا على امرأتي فإذا هي تراجعني، فأنكرت أن تراجعني فقالت: ما تنكر أن أراجعك فوالله إن أزواج رسول الله ليراجعنه وتهجره إحداهن اليوم إلى الليل. قال: فانطلقت فدخلت على حفصة فقلت: أتراجعين رسول الله ؟ قالت: نعم. قلت: وتهجره إحداكن اليوم إلى الليل؟ قالت: نعم. قلت: قد خاب من فعل ذلك منكنّ وخسر، أفتأمن إحداكن أن يغضب الله عليها لغضب رسوله؟ فإذا هي قد هلكت، لا تراجعي رسول الله ولا تسأليه شيئًا وسليني من مالي ما بدا لكي ولا يغرنك إن كانت جارتك هي أوسم؛ أي: أجمل


(١) صحيح مسلم، الباب السابق (ح ١٤٧٤/ ٢١).
(٢) ينظر: الصحاح للجوهري ٢/ ٩٠٨.