للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

"مادام عليه صاحبه" (١) قالت: وكان رسول الله إذا عمل عملًا داوم عليه (٢)، وفي لفظ أثبته (٣).

وقال قتادة في قوله تعالى: ﴿الَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ دَائِمُونَ (٢٣)﴾: ذُكر لنا أن دانيال نعتَ أُمة محمد فقال: يصلون صلاة لو صلّاها قوم نوح ما غرقوا، أو قوم عاد ما أرسلت عليهم الريح العقيم، أو ثمود ما أخذتهم الصيحة، فعليكم بالصلاة فإنها خلق للمؤمنين حسن (٤).

وقوله: ﴿وَالَّذِينَ فِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ (٢٤) لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ (٢٥)﴾ أي: في أموالهم نصيب مقرر لذوي الحاجات، وقد تقدم الكلام على ذلك في سورة الذاريات.

وقوله: ﴿وَالَّذِينَ يُصَدِّقُونَ بِيَوْمِ الدِّينِ (٢٦)﴾ أي: يوقنون بالمعاد والحساب والجزاء فهم يعملون عمل من يرجو الثواب ويخاف العقاب. ولهذا قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ مِنْ عَذَابِ رَبِّهِمْ مُشْفِقُونَ (٢٧)﴾ أي: خائفون وجِلون

﴿إِنَّ عَذَابَ رَبِّهِمْ غَيْرُ مَأْمُونٍ (٢٨)﴾ أي: لا يأمنه أحد ممن عقل عن الله أمره إلا بأمان من الله .

وقوله: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ (٢٩)﴾ أي: يكفُّوها عن الحرام ويمنعونها أن توضع في غير ما أذن الله فيه؛ ولهذا قال تعالى: ﴿إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ﴾ أي: من الإماء ﴿فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ (٣٠) فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ (٣١)﴾ وقد تقدم تفسير هذا في أول سورة ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١)[المؤمنون] بما أغنى عن إعادته ههنا.

وقوله: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ لِأَمَانَاتِهِمْ وَعَهْدِهِمْ رَاعُونَ (٣٢)﴾ أي: إذا اؤتمنوا لم يخونوا، وإذا عاهدوا لم يغدروا، وهذه صفات المؤمنين وضدها صفات المنافقين كما ورد في الحديث الصحيح: "آية المنافق ثلاث: إذا حدَّث كذب، وإذا وعد أخلف، وإذا اؤتمن خان" (٥) وفي رواية: "إذا حدَّث كذب وإذا عاهد غدر، وإذا خاصم فجر" (٦).

وقوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ بِشَهَادَاتِهِمْ قَائِمُونَ (٣٣)﴾ أي: محافظون عليها لا يزيدون فيها ولا ينقصون منها ولا يكتمونها ﴿وَمَنْ يَكْتُمْهَا فَإِنَّهُ آثِمٌ قَلْبُهُ﴾ [البقرة: ٢٨٣].

ثم قال تعالى: ﴿وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ (٣٤)﴾ أي: على مواقيتها وأركانها وواجباتها ومستحباتها، فافتتح الكلام بذكر الصلاة واختتمه بذكرها، فدل على الاعتناء بها والتنويه بشرفها كما تقدم في أول سورة ﴿قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ (١)﴾ سواء ولهذا قال هناك: ﴿أُولَئِكَ هُمُ الْوَارِثُونَ (١٠) الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (١١)[المؤمنون] وقال ههنا: ﴿أُوْلَئِكَ فِي جَنَّاتٍ مُكْرَمُونَ (٣٥)﴾ أي: مكرمون بأنواع الملاذ والمسار.


(١) صحيح البخاري، الإيمان، باب أحب الدين إلى الله أدومه (ح ٤٣).
(٢) صحيح البخاري، الصوم، باب صوم شعبان (ح ١٩٧٠).
(٣) صحيح مسلم، صلاة المسافرين، باب جامع صلاة الليل (ح ٧٤٦/ ١٤١).
(٤) صحيح الطبري بسند رجاله ثقات لكنه مرسل.
(٥) تقدم تخريجه في تفسير سورة الصف آية ٢.
(٦) تقدم تخريجه في تفسير سورة المؤمنون آية ٨.