للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

قَالَ لَا عَاصِمَ الْيَوْمَ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ إِلَّا مَنْ رَحِمَ وَحَالَ بَيْنَهُمَا الْمَوْجُ فَكَانَ مِنَ الْمُغْرَقِينَ﴾ [هود:٤٣].

وقال ابن أبي حاتم: قُرئ على يونس بن عبد الأعلى، أخبرنا ابن وهب، أخبرني شبيب بن سعيد، عن أبي الجوزاء، عن ابن عباس، قال: قال رسول الله : "لو رحم الله من قوم نوح أحدًا لرحم امرأة لما رأت الماء حملت ولدها ثم صعدت الجبل، فلما بلغها الماء صعدت به منكبها، فلما بلغ الماء منكبها وضعت ولدها على رأسها، فلما بلغ الماء رأسها رفعت ولدها بيدها، فلو رحم الله منهم أحدًا لرحم هذه المرأة". هذا حديث غريب ورجاله ثقات (١)، ونجى الله أصحاب السفينة الذين آمنوا مع نوح وهم الذين أمره الله بحملهم معه.

وقوله تعالى: ﴿إِنَّكَ إِنْ تَذَرْهُمْ يُضِلُّوا عِبَادَكَ﴾ أي: إنك إن أبقيت منهم أحدًا أضلوا عبادك؛ أي: الذين تخلقهم بعدهم ﴿وَلَا يَلِدُوا إِلَّا فَاجِرًا كَفَّارًا﴾ أي: فاجرًا في الأعمال كافر القلب وذلك لخبرته بهم ومكثه بين أظهرهم ألف سنة إلا خمسين عامًا،

ثم قال: ﴿رَبِّ اغْفِرْ لِي وَلِوَالِدَيَّ وَلِمَنْ دَخَلَ بَيْتِيَ مُؤْمِنًا﴾ قال الضحاك: يعني مسجدي (٢)، ولا مانع من حمل الآية على ظاهرها وهو أنه دعا لكل من دخل منزله وهو مؤمن، وقد قال الإِمام أحمد: حدثنا أبو عبد الرحمن، حدثنا حيوة، أنبأنا سالم بن غيلان، أن الوليد بن قيس التجيبيّ، أخبره أنه سمع أبا سعيد الخدري أو عن أبي الهيثم، عن أبي سعيد أنه سمع رسول الله يقول: "لا تصحب إلا مؤمنًا ولا يأكل طعامك إلا تقي" (٣). ورواه أبو داود والترمذي من حديث عبد الله بن المبارك، عن حيوة بن شريح به، ثم قال الترمذي: إنما نعرفه من هذا الوجه (٤).

وقوله تعالى: ﴿وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ﴾ دعاء لجميع المؤمنين والمؤمنات وذلك يعم الأحياء منهم والأموات، ولهذا يستحب مثل هذا الدعاء اقتداء بنوح وبما جاء في الآثار والأدعية المشهورة المشروعة.

وقوله تعالى: ﴿وَلَا تَزِدِ الظَّالِمِينَ إِلَّا تَبَارًا﴾ قال السدي: إلا هلاكًا.

وقال مجاهد: إلا خسارًا (٥)؛ أي: في الدنيا والآخرة.

آخر تفسير سورة نوح ، [وللّه الحمد والمنة] (٦).


(١) لكن رواية ابن وهب عن شبيب بن سعيد فيها مقال (التقريب ص ٢٦٣)؛ فقد حدث عنه ابن وهب بأحاديث مناكير (تهذيب التهذيب ٤/ ٣٠٧)؛ وأخرجه الحاكم من طريق موسى بن يعقوب الزمعي عن فائد مولى عبيد الله بن علي بن أبي رافع أن إبراهيم بن عبد الرحمن بن عبد الله بن أبي ربيعة أخبره أن عائشة. فذكره وصححه، وتعقبه الذهبي بأن إسناده مظلم وموسى ليس بذاك. (المستدرك ٢/ ٣٤٢).
(٢) أخرجه الطبري بسندين عن الضحاك، يقوي أحدهما الآخر.
(٣) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (١٧/ ٤٣٧ ح ١١٣٣٧) وحسن سنده محققوه.
(٤) سنن أبي داود، الأدب، باب من يؤمر أن يجالس (ح ٤٨٣٢)؛ وسنن الترمذي، الزهد، ما جاء في صحبة المؤمن (ح ٢٣٩٧)؛ وحسنه الألباني في صحيح سنن أبي داود (ح ٤٠٤٥).
(٥) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٦) زيادة من (حم).