للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

لقوله: "فإذا الملك الذي جاءني بحراء" وهو جبريل حين أتاه بقوله: ﴿اقْرَأْ بِاسْمِ رَبِّكَ الَّذِي خَلَقَ (١) خَلَقَ الْإِنْسَانَ مِنْ عَلَقٍ (٢) اقْرَأْ وَرَبُّكَ الْأَكْرَمُ (٣) الَّذِي عَلَّمَ بِالْقَلَمِ (٤) عَلَّمَ الْإِنْسَانَ مَا لَمْ يَعْلَمْ (٥)[العلق]، ثم إنه حصل بعد هذا فترة ثم نزل الملك بعد هذا.

ووجه الجمع أن أول شيء نزل بعد فترة الوحي هذه السورة، كما قال الإمام أحمد (١): حدثنا حجاج، حدثنا ليث، حدثنا عقيل، عن ابن شهاب قال: سمعت أبا سلمة بن عبد الرحمن يقول: أخبرني جابر بن عبد اللّه أنه سمع رسول الله يقول: "ثم فتر الوحي عني فترة فبينا أنا أمشي سمعت صوتًا من السماء، فرفعت بصري قبل السماء فإذا الملك الذي جاءني قاعد على كرسي بين السماء والأرض فجثيت منه فرقًا حتى هويت إلى الأرض، فجئت أهلي فقلت لهم زملوني زملوني فزملوني، فأنزل اللّه تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (٤) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥)﴾ ثم حمي الوحي وتتابع" أخرجاه من حديث الزهري به (٢).

وقال الطبراني: حدثنا محمد بن علي بن شعيب السمسار، حدثنا الحسن بن بشر البجلي، حدثنا المعافى بن عمران، عن إبراهيم بن يزيد: سمعت ابن أبي مُليكة يقول: سمعت ابن عباس يقول: إن الوليد بن المغيرة صنع لقريش طعامًا، فلما أكلوا منه قال: ما تقولون في هذا الرجل؟ فقال بعضهم: ساحر، وقال بعضهم: ليس بساحر، وقال بعضهم: كاهن، وقال بعضهم: ليس بكاهن، وقال بعضهم: شاعر، وقال بعضهم: ليس بشاعر، وقال بعضهم: بل سحر يؤثر، فأجمع رأيهم على أنه سحر يؤثر، فبلغ ذلك النبي فحزن وقنع رأسه وتدثر، فأنزل الله تعالى: ﴿يَاأَيُّهَا الْمُدَّثِّرُ (١) قُمْ فَأَنْذِرْ (٢) وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣) وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (٤) وَالرُّجْزَ فَاهْجُرْ (٥) وَلَا تَمْنُنْ تَسْتَكْثِرُ (٦) وَلِرَبِّكَ فَاصْبِرْ (٧)(٣).

وقوله تعالى: ﴿قُمْ فَأَنْذِرْ (٢)﴾ أي: شمِّر عن ساق العزم وأنذر الناس، وبهذا حصل الإرسال كما حصل بالأول النبوة.

﴿وَرَبَّكَ فَكَبِّرْ (٣)﴾ أي: عظم.

وقوله تعالى: ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (٤)﴾ قال الأجلح الكندي، عن عكرمة، عن ابن عباس أنه أتاه رجل فسأله عن هذه الآية ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (٤)﴾ قال: لا تلبسها على معصية ولا على غدرة. ثم قال: أما سمعت قول غيلان بن سلمة الثقفي:

فإني بحمد اللّه لا ثوب فاجر … لبست ولا من غَدرة أتقنَّع (٤)

وقال [ابن جريج] (٥): عن عطاء، عن ابن عباس في الآية ﴿وَثِيَابَكَ فَطَهِّرْ (٤)﴾ قال: في كلام العرب نقي الثياب وفي رواية بهذا الإسناد فطهر من الذنوب (٦)، وكذا قال إبراهيم


(١) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٣/ ٣٢٥)، وسنده صحيح.
(٢) انظر المصدرين السابقين من الصحيحين.
(٣) أخرجه الطبراني (المعجم الكبير ١١/ ١٢٥ ح ١١٢٥٠)، وسنده ضعيف جدًا لأن إبراهيم بن يزيد الخوزي متروك. (مجمع الزوائد ٧/ ١٣٤).
(٤) أخرجه الطبري بعدة أسانيد من طريق الأجلح به، وسنده حسن، وله شواهد تقويه كما يلي.
(٥) كذا في (ح) و (حم)، وفي الأصل صحف إلى: ابن جرير.
(٦) أخرجه الطبري من طريق عن ابن جريج به، وسنده حسن.