للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ﴾ أي: بيناه له ووضحناه وبصرناه به كقوله: ﴿وَأَمَّا ثَمُودُ فَهَدَيْنَاهُمْ فَاسْتَحَبُّوا الْعَمَى عَلَى الْهُدَى﴾ [فصلت: ١٧] وكقوله: ﴿وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ (١٠)[البلد] أي: بينا له طريق الخير وطريق الشر، وهذا قول عكرمة وعطية وابن زيد ومجاهد في المشهور عنه والجمهور (١).

وروي عن مجاهد وأبي صالح والضحاك والسدي أنهم قالوا في قوله: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ﴾ يعني: خروجه من الرحم. وهذا قول غريب والصحيح المشهور الأول.

وقوله: ﴿إِمَّا شَاكِرًا وَإِمَّا كَفُورًا﴾ منصوب على الحال من الهاء في قوله: ﴿إِنَّا هَدَيْنَاهُ السَّبِيلَ﴾ تقديره فهو في ذلك إما شقي وإما سعيد كما جاء في الحديث الذي رواه مسلم، عن أبي مالك الأشعري قال: قال رسول الله : "كل الناس يغدو فبائع نفسه فموبقها أو معتقها" (٢).

وقد تقدم في سورة الروم عند قوله: ﴿فِطْرَتَ اللَّهِ الَّتِي فَطَرَ النَّاسَ عَلَيْهَا﴾ [٣٠] من رواية جابر بن عبد الله قال: قال رسول الله : "كل مولود يولد على الفطرة حتَّى يعرب عنه لسانه إما شاكرًا وإِمَّا كفورًا" (٣).

وقال الإمام أحمد: حَدَّثَنَا أبو عامر، حَدَّثَنَا عبد اللَّه بن جعفر، عن عثمان بن محمد، عن المقبري، عن أبي هريرة، عن النَّبِيّ قال "ما من خارج يخرج إلا ببابه رايتان راية بيد ملك وراية بيد شيطان، فإن خرج لما يحب الله اتبعه الملك برايته، فلم يزل تحت راية الملك حتَّى يرجع إلى بيته وإن خرج لما يسخط الله اتبعه الشيطان برايته، فلم يزل تحت راية الشيطان حتَّى يرجع إلى بيته" (٤).

وقال الإمام أحمد: حَدَّثَنَا عبد الرزاق، حَدَّثَنَا معمر، عن ابن خثيم، عن عبد الرحمن بن سابط، عن جابر بن عبد الله أن النَّبِيّ قال لكعب بن عجرة: "أعاذك الله من إمارة السفهاء. قال: وما إمارة السفهاء؟ قال: أمراء يكونون بعدي لا يهتدون بهداي ولا يستنون بسنتي، فمن صدقهم بكذبهم وأعانهم على ظلمهم فأولئك ليسوا مني ولست منهم، ولا يردون علي حوضي ومن لم يعنهم على ظلمهم، فأولئك مني وأنا منهم وسيردون على حوضي، يا كعب بن عجرة الصوم جنة، والصدقة تطفئ الخطيئة، والصلاة قربان، أو قال: برهان، يا كعب بن عجرة إنه لا يدخل الجنة لحم نبت من سحت، النار أولى به، يا كعب الناس غاديان فمبتاع نفسه فمعتقها وبائع نفسه فموبقها" (٥). ورواه عن عفان، عن وهيب، عن عبد اللَّه بن خثيم به (٦).


(١) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد بلفظ: "الشقاوة والسعادة". ونسبه السيوطي إلى ابن المنذر عن عطية العوفي.
(٢) أخرجه مسلم بلفظه وأطول (الصحيح، الطهارة، باب فضل الوضوء ح ٢٢٣).
(٣) تقدم تخريجه في تفسير سورة الروم آية ٣٠.
(٤) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه، وحسن سنده محققوه (المسند ١٤/ ٤٢ ح ٨٢٨٦).
(٥) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه، وقال محققوه: إسناده قوي. (المسند ٢٢/ ٣٣٢ ح ١٤٤٤١).
(٦) (المسند ح ١٥٢٨٤) وحكمه كسابقه.