للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

الرِّيَاحَ فَتُثِيرُ سَحَابًا فَيَبْسُطُهُ فِي السَّمَاءِ كَيْفَ يَشَاءُ وَيَجْعَلُهُ كِسَفًا فَتَرَى الْوَدْقَ يَخْرُجُ مِنْ خِلَالِهِ﴾ [الروم: ٤٨]. أي: من بينه.

وقوله: ﴿مَاءً ثَجَّاجًا﴾ قال مجاهد وقتادة والربيع بن أنس: ﴿ثَجَّاجًا﴾ منصبًّا (١).

وقال الثوري: متتابعًا (٢).

وقال ابن زيد: كثيرًا (٣).

قال ابن جرير: ولا يعرف في كلام العرب في صفة الكثرة الثجّ، وإنما الثجُّ الصبُّ المتتابع ومنه قول النَّبِيّ : "أفضل الحج العجّ والثجّ" (٤) يعني: صبَّ دماء البدن (٥)، هكذا قال.

قلت: وفي حديث المستحاضة حين قال لها رسول الله : "أنعت لك الكرسف" يعني: أن تحتشي بالقطن فقالت: يا رسول الله هو أكثر من ذلك، إنما أثج ثجًا (٦). وهذا فيه دلالة على استعمال الثج في الصبِّ المتتابع الكثير والله أعلم.

وقوله تعالى: ﴿لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا (١٥) وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (١٦)﴾ أي: لنخرج بهذا الماء الكثير الطيب النافع المبارك ﴿حَبًّا﴾ يدخر للأناسي والأنعام ﴿وَنَبَاتًا﴾ أي: خضرًا يؤكل رطبًا ﴿وَجَنَّاتٍ﴾ أي: بساتين وحدائق من ثمرات متنوعة وألوان مختلفة وطعوم وروائح متفاوتة، وإن كان ذلك في بقعة واحدة من الأرض مجتمعًا ولهذا قال: ﴿وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا (١٦)﴾.

قال ابنِ عباس وغيره: ﴿أَلْفَافًا﴾ مجتمعة (٧). وهذه كقوله تعالى: ﴿وَفِي الْأَرْضِ قِطَعٌ مُتَجَاوِرَاتٌ وَجَنَّاتٌ مِنْ أَعْنَابٍ وَزَرْعٌ وَنَخِيلٌ صِنْوَانٌ وَغَيْرُ صِنْوَانٍ يُسْقَى بِمَاءٍ وَاحِدٍ وَنُفَضِّلُ بَعْضَهَا عَلَى بَعْضٍ فِي الْأُكُلِ﴾ الآية [الرعد: ٤].


(١) أخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد؛ وأخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة؛ وأخرجه الطبري بسند جيد من طريق أبي جعفر عن الربيع.
(٢) أخرجه الطبري من طريق مهران عن سفيان.
(٣) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن وهب عن ابن زيد.
(٤) أخرجه الترمذي من حديث أبي بكر . (السنن، الحج، باب فضل التلبية والنحر ح ٨٢٧)؛ وصححه الألباني في صحيح سنن الترمذي (ح ٦٦١)؛ وأخرجه ابن خزيمة. (الصحيح ٤/ ١٧٥ ح ٢٦٣١)؛ وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي. (المستدرك ١/ ٤٥٠).
(٥) ذكره الطبري بنحوه.
(٦) أخرجه الإمام أحمد من حديث حمنة بنت جحش وضعف سنده محققوه. المسند ٤٥/ ٤٦٨ ح ٢٧٤٧٤)؛ وأخرجه أبو داود. السنن، الطهارة، باب من قال: إذا أقبلت الحيضة تدع الصلاة (ح ٢٨٧) والترمذي (السنن، الطهارة، باب ما جاء في المستحاضة ح ١٢٨)؛ وحسنه الألباني في صحيح سنن الترمذي (ح ١١٠)؛ وأخرجه الحاكم وصححه ووافقه الذهبي. (المستدرك ١/ ١٧٢). وقد ذكر له الحاكم له شواهد، ولهذا حسنه الشيخ الألباني وهو كما قال. ولهذا استشهد به الحافظ ابن كثير واستدل به.
(٧) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس؛ وأخرجه آدم والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد؛ وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي عروبة عن قتادة؛ وأخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة.