للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

القبور هي بطن الأرِض وإن الأرض هي أم الخلق، فإذا خلق الله ما أراد أن يخلق، وتمت هذه القبور التي مدَّ الله لها انقطعت الدنيا، ومات من عليها ولفظت الأرض ما في جوفها وأخرجت القبور ما فيها. وهذا شبيه بما قلناه من معنى الآية، والله أعلم بالصواب.

وقوله تعالى: ﴿فَلْيَنْظُرِ الْإِنْسَانُ إِلَى طَعَامِهِ (٢٤)﴾ فيه امتنان، وفيه استدلال بإحياء النبات من الأرض الهامدة على إحياء الأجسام بعدما كانت عظامًا بالية وترابًا متمزقًا ﴿صَبَبْنَا الْمَاءَ صَبًّا (٢٥)﴾ أي: أنزلناه من السماء على الأرض ﴿ثُمَّ شَقَقْنَا الْأَرْضَ شَقًّا (٢٦)﴾ أي: أسكناه فيها فيدخل في تخومها وتخلل في أجزاء الحب المودع فيها، فنبت وارتفع وظهر على وجه الأرض ﴿فَأَنْبَتْنَا فِيهَا حَبًّا (٢٧) وَعِنَبًا وَقَضْبًا (٢٨)﴾ فالحب كل ما يذكر من الحبوب، والعنب معروف، والقضب هو: الفصفصة التي تأكلها الدواب رطبة، ويقال لها: القت أيضًا، قال ذلك ابن عباس وقتادة والضحاك والسدي (١)، وقال الحسن البصري: القضب: العلف (٢).

﴿وَزَيْتُونًا﴾ وهو معروف وهو أدم، وعصيره أدم ويستصبح به ويدهن به ﴿وَنَخْلًا﴾ يؤكل بلحًا بسرًا ورطبًا وتمرًا ونيئًا ومطبوخًا ويعتصر منه رُب وخلّ

﴿وَحَدَائِقَ غُلْبًا (٣٠)﴾ أي: بساتين، قال الحسن وقتادة: ﴿غُلْبًا﴾ نخل غلاظ كرام (٣).

وقال ابن عباس ومجاهد: الحدائق: كل ما التف واجتمع.

وقال ابن عباس أيضًا: ﴿غُلْبًا﴾ (٤) الشجر الذي يستظل (٥) به.

وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس: ﴿وَحَدَائِقَ غُلْبًا (٣٠)﴾ أي: طوال (٦).

وقال عكرمة: ﴿غُلْبًا﴾ أي: غلاظ الأوساط (٧)، وفي رواية: غلاظ الرقاب، ألم تر إلى الرجل إذا كان غليظ الرقبة قيل: والله إنه لأغلب؟ رواه ابن أبي حاتم (٨).

وأنشد ابن جرير للفرزدق:

عوى فأثأر أغلب [ضيغميَّا] (٩) … فويل ابن المراغة ما استثار (١٠)


(١) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس بلفظ: "الغصغصة"؛ وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي عروبة عن قتادة مثله.
(٢) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق يونس -وهو ابن عبيد البصري- عن الحسن البصري.
(٣) أخرجه عبد الرزاق والطبري بسند صحيح من طريق معمر عن قتادة بلفظ: "النخل الكرام". وعزاه السيوطي إلى عبد بن حميد وابن المنذر عن الحسن.
(٤) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق عاصم بن كليب عن أبيه عن ابن عباس؛ وأخرجه آدم بن أبي إياس والطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد.
(٥) أخرجه الطبري بسند حسن من طريق عكرمة عن ابن عباس.
(٦) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس.
(٧) أخرجه الطبري بسند جيد من طريق سفيان الثوري عن أبيه عن عكرمة.
(٨) عزاه السيوطي إلى عبد بن حميد وابن المنذر عن عكرمة.
(٩) كذا في (ح) و (حم) وتفسير الطبري، وفي الأصل صُحف إلى: ضيغما.
(١٠) اسثشهد به الطبري، والبيت في ديوان الفرزدق ص ٤٤٣.