للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

(قلت): وكلاهما متواتر ومعناه صحيح كما تقدم.

وقوله تعالى: ﴿وَمَا هُوَ بِقَوْلِ شَيْطَانٍ رَجِيمٍ (٢٥)﴾ أي: وما هذا القرآن بقول شيطان رجيم؛ أي: لا يقدر على حمله ولا ينبغي له كما قال تعالى: ﴿وَمَا تَنَزَّلَتْ بِهِ الشَّيَاطِينُ (٢١٠) وَمَا يَنْبَغِي لَهُمْ وَمَا يَسْتَطِيعُونَ (٢١١) إِنَّهُمْ عَنِ السَّمْعِ لَمَعْزُولُونَ (٢١٢)[الشعراء]،

وقوله تعالى: ﴿فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (٢٦)﴾؟ أي: فأين تذهب عقولكم في تكذيبكم بهذا القرآن مع ظهوره ووضوحه وبيان كونه حقًا من عند الله ﷿؟ كما قال الصديق لوفد بني حنيفة حين قدموا مسلمين وأمرهم فتلوا عليه شيئًا من قرآن مسيلمة الكذاب الذي هو في غاية الهذيان والركاكة فقال: ويحكم أين تذهب عقولكم؟ والله إن هذا الكلام لم يخرج من إل؛ أي: من إله (١).

وقال قتادة: ﴿فَأَيْنَ تَذْهَبُونَ (٢٦)﴾ أي: عن كتاب الله وعن طاعته (٢).

وقوله: ﴿إِنْ هُوَ إِلَّا ذِكْرٌ لِلْعَالَمِينَ (٢٧)﴾ أي: هذا القرآن ذكر لجميع الناس يتذكرون به ويتعظون

﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨)﴾ أي: من أراد الهداية فعليه بهذا القرآن فإِنه منجاة له وهداية، ولا هداية فيما سواه ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٢٩)﴾ أي: ليست المشيئة موكولة إليكم فمن شاء اهتدى ومن شاء ضلَّ، بل ذلك كله تابع لمشيئة الله تعالى رب العالمين.

قال سفيان الثوري، عن سعيد بن عبد العزيز، عن سليمان بن موسى: لما نزلت هذه الآية ﴿لِمَنْ شَاءَ مِنْكُمْ أَنْ يَسْتَقِيمَ (٢٨)﴾ قال أبو جهل: الأمر إلينا إن شئنا استقمنا وإن شئنا لم نستقم فأنزل الله تعالى: ﴿وَمَا تَشَاءُونَ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ (٢٩)(٣).

آخر تفسير سورة التكوير، ولله الحمد والمنّة.


(١) تقدم عزوه في تفسير سورة يونس آية ١٧.
(٢) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة بنحوه.
(٣) أخرجه الطبري من طريق الثوري به، وسنده ضعيف؛ لأنه مرسل.