للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

تعالى: ﴿الَّذِينَ إِذَا اكْتَالُوا عَلَى النَّاسِ﴾ أي: من الناس ﴿يَسْتَوْفُونَ﴾ أي: يأخذون حقهم بالوافي والزائد

﴿وَإِذَا كَالُوهُمْ أَوْ وَزَنُوهُمْ يُخْسِرُونَ (٣)﴾ أي: ينقصون، والأحسن أن يجعل كالوا ووزنوا متعديًا ويكون هم في محل نصب، ومنهم من يجعلها ضميرًا مؤكدًا للمستتر في قوله: كالوا ووزنوا ويحذف المفعول لدلالة الكلام عليه، وكلاهما متقارب.

وقد أمر الله تعالى بالوفاء في الكيل والميزان فقال تعالى: ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ إِذَا كِلْتُمْ وَزِنُوا بِالْقِسْطَاسِ الْمُسْتَقِيمِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا (٣٥)[الإسراء] وقال تعالى: ﴿وَأَوْفُوا الْكَيْلَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ لَا نُكَلِّفُ نَفْسًا إِلَّا وُسْعَهَا﴾ [الأنعام: ١٥٢] وقال تعالى: ﴿وَأَقِيمُوا الْوَزْنَ بِالْقِسْطِ وَلَا تُخْسِرُوا الْمِيزَانَ (٩)[الرحمن] وأهلك الله قوم شعيب ودمرهم على ما كانوا يبخسون الناس في الميزان والمكيال.

ثم قال تعالى متوعدًا لهم: ﴿أَلَا يَظُنُّ أُولَئِكَ أَنَّهُمْ مَبْعُوثُونَ (٤) لِيَوْمٍ عَظِيمٍ (٥)﴾؟ أي: ما يخاف أولئك من البعث والقيام بين يدي من يعلم السرائر والضمائر في يوم عظيم الهول كثير الفزع جليل الخطب، من خسر فيه أدخل نارًا حامية؟

وقوله تعالى: ﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٦)﴾ أي: يقومون حفاة عراة غرلًا في موقف صعب حرج ضيق ضنك على المجرم ويغشاهم من أمر الله تعالى ما تعجز القوى والحواس عنه.

قال الإمام مالك، عن نافع، عن ابن عمر، أن النبي قال: "يوم يقوم الناس لرب العالمين حتى يغيب أحدهم في رشحه إلى أنصاف أذنيه" (١). رواه البخاري من حديث مالك وعبد الله بن عون كلاهما عن نافع به، ورواه مسلم من الطريقين أيضًا، وكذلك رواه أيوب بن يحيى وصالح بن كيسان وعبد الله وعبيد الله ابنا عمر ومحمد بن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر به (٢).

ولفظ الإمام أحمد: حدثنا يزيد، أخبرنا ابن إسحاق، عن نافع، عن ابن عمر سمعت رسول الله يقول: "يوم يقوم الناس لرب العالمين لعظمة الرحمن ﷿ يوم القيامة، حتى إن العرق ليلجم الرجال إلى أنصاف آذانهم" (٣).

حديث آخر: قال الإمام أحمد: حدثنا إبراهيم بن إسحاق، حدثنا ابن المبارك، عن عبد الرحمن بن يزيد بن جابر، حدثني سليم بن عامر، حدثني المقداد؛ يعني: ابن الأسود الكندي قال: سمعت رسول الله يقول: "إذا كان يوم القيامة أدنيت الشمس من العباد حتى تكون قدر ميل أو ميلين -قال:- فتصهرهم الشمس فيكونون في العرق كقدر أعمالهم، منهم من يأخذه إلى عقبيه ومنهم من يأخذه إلى ركبتيه، ومنهم من يأخذه إلى حقويه، ومنهم من يُلجِمُه إلجامًا" (٤). رواه مسلم عن الحكم بن موسى، عن يحيى بن حمزة والترمذي عن سويد، عن ابن


(١) سنده صحيح من أعلى الأسانيد العالية لأنه ثنائي.
(٢) صحيح البخاري، التفسير، باب ﴿يَوْمَ يَقُومُ النَّاسُ لِرَبِّ الْعَالَمِينَ (٦)﴾ [المطففين] (ح ٤٩٣٨)؛ وصحيح مسلم، الجنة وصفة نعيمها، باب في صفة يوم القيامة (ح ٢٨٦٢).
(٣) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه (المسند ٢/ ٣١) وسنده حسن.
(٤) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه، وصحح سنده محققوه. (المسند ٣٩/ ٢٣٥ ح ٢٣٨١٣).