للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[والثاني: أنهم مكلفون لئلا يخلو عاقل من تكليف. قال القرطبي (١): وهذا هو الصحيح؛ لأن معاينتهم للأمور (القطعية) (٢) لا تمنع تكليفهم؛ لأن بني إسرائيل قد شاهدوا أمورًا عظامًا من خوارق العادات، وهم في ذلك مكلفون. وهذا واضح (٣). والله أعلم] (٤).

﴿وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ وَأَنْزَلْنَا عَلَيْكُمُ الْمَنَّ وَالسَّلْوَى كُلُوا مِنْ طَيِّبَاتِ مَا رَزَقْنَاكُمْ وَمَا ظَلَمُونَا وَلَكِنْ كَانُوا أَنْفُسَهُمْ يَظْلِمُونَ (٥٧)﴾.

لما ذكر تعالى ما دفعه عنهم من النقم شرع يذكرهم أيضًا بما أسبغ عليهم من النعم فقال: ﴿وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ﴾ وهو جمع غمامة، سمي بذلك لأنه يغم السماء؛ أي: يواريها ويسترها، وهو السحاب الأبيض، ظللوا به في التيه ليقيهم حر الشمس، كما رواه النسائي وغيره، عن ابن عباس في "حديث (الفتون) (٥) "؛ قال: ثم ظلل عليهم في التيه بالغمام.

قال ابن أبي (٦) حاتم: وروي عن ابن عمر، والربيع بن أنس، وأبي مجلز، والضحاك، والسدي نحو قول ابن عباس.

وقال الحسن، وقتادة (٧): ﴿وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ﴾ كان هذا في البرية، ظلل عليهم الغمام من الشمس.

وقال (ابن جريج) (٨): (وقال آخرون): وهو غمام أبرد من هذا وأطيب.

وقال ابن أبي (٩) حاتم: حدثنا أبي، حدثنا أبو حذيفة، حدثنا شبل، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد: ﴿وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ﴾ قال: ليس بالسحاب؛ هو الغمام الذي يأتي الله فيه يوم القيامة، ولم يكن إلا لهم.

وهكذا رواه ابن جرير عن المثنى بن إبراهيم، عن أبي حذيفة؛ وكذا رواه الثوري (١٠) وغيره، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد؛ وكأنه يريد - والله أعلم - أنه ليس من زي هذا السحاب؛ بل أحسن منه، وأطيب وأبهى منظرًا؛ كما قال سنيد في "تفسيره" (١١) عن حجاج بن محمد، عن ابن جريج؛ قال: قال ابن عباس: ﴿وَظَلَّلْنَا عَلَيْكُمُ الْغَمَامَ﴾ قال: غمام أبرد من هذا وأطيب، وهو الذي يأتي الله فيه في قوله: ﴿هَلْ يَنْظُرُونَ إِلَّا أَنْ يَأْتِيَهُمُ اللَّهُ فِي ظُلَلٍ مِنَ الْغَمَامِ (وَالْمَلَائِكَةُ) (١٢)[البقرة: ٢١٠] وهو الذي جاءت فيه الملائكة يوم بدر.


(١) في "تفسيره" (١/ ٤٠٥).
(٢) في (ل) و (هـ) و (ن): "الفظيعة".
(٣) في حاشية (ج): "أخر الجزء الخامس من أجزاء المؤلف".
(٤) ساقط من (ز) و (ض).
(٥) في (ك): "المفتون".
(٦) في "تفسيره" (ص ١٧٤ - البقرة).
(٧) أخرجه ابن أبي حاتم (٥٥٢) بسند جيد. وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" (١/ ٧٠) لعبد بن حميد وسياقه أطول.
(٨) وقع في (ز) و (ن) و (هـ): "ابن جرير" وهو خطأ. وقول ابن جريج هذا قاله ابن أبي حاتم في "تفسيره" (ص ١٧٥).
(٩) في "تفسيره" (٥٥٣) وهو عند ابن جرير (٩٦٣). [وسنده صحيح].
(١٠) أخرجه ابن جرير (٩٦٢) من طريق أبي أحمد الزبيري، ثنا سفيان الثوري. [وسنده صحيح].
(١١) ومن طريقه ابن جرير (٩٦٥) وسنده ضعيف لإعضاله.
(١٢) من (ز) و (ن).