للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

وقوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (٩) وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (١٠)﴾ يحتمل أن يكون المعنى قد أفلح من زكى نفسه؛ أي: بطاعة الله كما قال قتادة وطهرها من الأخلاق الدنيئة والرذائل (١)، ويروى نحوه عن مجاهد وعكرمة وسعيد بن جبير (٢). وكقوله تعالى: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى (١٤) وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى (١٥)[الأعلى].

﴿وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا (١٠)﴾ أي: دسسها؛ أي: أخملها ووضع منها بخذلانه إياها عن الهدى حتى ركب المعاصي وترك طاعة الله ﷿، وقد يحتمل أن يكون المعنى قد أفلح من زكى الله نفسه، وقد خاب من دسى الله نفسه؛ كما قال العوفي وعلي بن أبي طلحة عن ابن عباس (٣).

وقال ابن أبي حاتم: حدثنا أبي وأبو زرعة قالا: حدثنا سهل بن عثمان، حدثنا أبو مالك يعني: عمرو بن هشام، عن جويبر، عن الضحاك، عن ابن عباس قال: سمعت رسول الله يقول في قول الله ﷿: ﴿قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا (٩)﴾ قال النبي : "أفلحت نفس زكاها الله ﷿" ورواه ابن أبي حاتم من حديث مالك به (٤)، وجويبر هذا هو ابن سعيد: متروك الحديث، والضحاك لم يلق ابن عباس.

وقال الطبراني: حدثنا يحيى بن عثمان بن صالح، حدثنا أبي، حدثنا ابن لهيعة، عن عمرو بن دينار، عن ابن عباس قال: كان رسول الله إذا مرَّ بهذه الآية: ﴿وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا (٧) فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (٨)﴾ وقف ثم قال: "اللَّهم آت نفسي تقواها، أنت وليها ومولاها، وخير من زكاها" (٥).

حديث آخر: قال ابن أبي حاتم: حدثنا أبو زرعة، حدثنا يعقوب بن حميد المدني، حدثنا عبد الله بن الأموي، حدثنا معن بن محمد الغفاري، عن حنظلة بن علي الأسلمي، عن أبي هريرة قال: سمعت رسول الله يقرأ: " ﴿فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا (٨)﴾ " قال: "اللَّهم آتِ نفسي تقواها، وزكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها" (٦). لم يخرجوه من هذا الوجه.

وقال الإمام أحمد: حدثنا وكيع، عن نافع، عن ابن عمر، عن صالح بن سعيد، عن عائشة أنها فقدت النبي من مضجعه فلمسته بيدها فوقعت عليه وهو ساجد وهو يقول: "ربِّ أعط نفسي تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليها ومولاها" (٧). تفرد به.


(١) خرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة.
(٢) أخرجه الطبري من طريق خُصيف عن مجاهد وسعيد بن جبير عن عكرمة، وخُصيف سيئ الحفظ.
(٣) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس بلفظه؛ وأخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي عن ابن عباس بلفظ: "تكذيبها".
(٤) كلا الطريقين ضعيف كما فصَّل الحافظ ابن كثير.
(٥) أخرجه الطبراني بسنده ومتنه. (المعجم الكبير ١١/ ١٠٦ ح ١١٩١) وحسن سنده الهيثمي (مجمع الزوائد ٧/ ١٤١) وهذا الحكم يستقيم بالشواهد التالية، فإن فيه ابن لهيعة ولكن روي من طرق أخرى كما سيأتي.
(٦) أخرجه ابن أبي عاصم من طريق يعقوب بن حميد المزني به. (السنة ح ٣١٨) وفي سنده عبد الله بن عبد الله الأموي: لين الحديث. (التقريب ص ٣١٠)، ويتقوى بالرواية السابقة.
(٧) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه، وقال محققوه: رجاله ثقات. (المسند ٤٢/ ٤٩٢ ح ٢٥٧٥٧). ويشهد له رواية الإمام أحمد ومسلم التالية.