للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

﴿وَطُورِ سِينِينَ (٢)﴾ قال كعب الأحبار وغير واحد: هو الجبل الذي كلم الله عليه موسى (١).

﴿وَهَذَا الْبَلَدِ الْأَمِينِ (٣)﴾ يعني: مكة. قاله ابن عباس ومجاهد وعكرمة والحسن وإبراهيم النخعي وابن زيد وكعب الأحبار (٢). ولا خلاف في ذلك، وقال بعض الأئمة: هذه محال ثلاثة بعث الله في كل واحد منها نبيًّا مرسلًا من أولي العزم أصحاب الشرائع الكبار:

فالأول: محلة التين والزيتون وهي: بيت المقدس التي بعث الله فيها عيسى ابن مريم .

والثاني: طور سينين، وهو طور سيناء الذي كلم الله عليه موسى بن عمران.

والثالث: مكة، وهو البلد الأمين الذي من دخله كان آمنًا، وهو الذي أرسل فيه محمدًا ، قالوا: وفي آخر التوراة ذكر هذه الأماكن الثلاثة: جاء الله من طور سيناء -يعني الذي كلَّم الله عليه موسى بن عمران- وأشرق من ساعير -يعني: جبل بيت المقدس الذي بعث الله منه عيسى- واستعلن من جبال فاران يعني: جبال مكة التي أرسل الله منها محمدًا فذكرهم مخبرًا عنهم على الترتيب الوجودي بحسب ترتيبهم في الزمان، ولهذا أقسم بالأشرف ثم الأشرف منه ثم بالأشرف منهما.

وقوله تعالى: ﴿لَقَدْ خَلَقْنَا الْإِنْسَانَ فِي أَحْسَنِ تَقْوِيمٍ (٤)﴾ هذا هو المقسم عليه، وهو أنه تعالى خلق الإنسان في أحسن صورة وشكل منتصب القامة سوي الأعضاء حسنها

﴿ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (٥)﴾ أي: إلى النار. قاله مجاهد وأبو العالية والحسن وابن زيد وغيرهم (٣)، ثم بعد هذا الحسن والنضارة مصيرهم إلى النار إن لم يطع الله ويتبع الرسل لهذا قال: ﴿إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ﴾ وقال بعضهم: ﴿ثُمَّ رَدَدْنَاهُ أَسْفَلَ سَافِلِينَ (٥)﴾ أي: إلى أرذل العمر، وروي هذا عن ابن عباس وعكرمة (٤)، حتى قال عكرمة: من جمع القرآن لم يُرد إلى أرذل العمر، واختار ذلك ابن جرير، ولو كان هذا هو المراد لما حسن استثناء المؤمنين من ذلك لأن الهرم قد يصيب بعضهم، وإنما المراد ما ذكرناه كقوله: ﴿وَالْعَصْرِ (١) إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ (٢) إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ (٣)[العصر].


(١) أخرجه الطبري بسند جيد من طريق يزيد أبي عبد الله عن كعب: بلفظ: "جبل موسى لله. ويزيد هو الفارسي البصري". (ينظر: تهذيب التهذيب ٨/ ١٦٦).
(٢) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق العوفي عن ابن عباس ومعناه صحيح ويشهد له ما يليه من الآثار، فقد أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد؛ وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي رجاء عن عكرمة؛ وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عوف -وهو الأعرابي- عن الحسن؛ وأخرجه الطبري بسند حسن من طريق حماد عن إبراهيم النخعي؛ وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق سعيد بن أبي عروبة عن قتادة؛ وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن وهب عن ابن زيد؛ وأخرجه الطبري بسند جيد من طريق يزيد أبي عبد الله -وهو الفارسي- عن كعب الأحبار.
(٣) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد؛ وأخرجه الطبري بسند جيد من طريق الربيع بن أنس عن أبي العالية؛ وأخرجه عبد الرزاق بسند صحيح من طريق قتادة عن الحسن؛ وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن وهب عن ابن زيد.
(٤) أخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عكرمة عن ابن عباس؛ وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق أبي رجاء عن عكرمة؛ وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق حماد عن إبراهيم النخعي؛ وأخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة.