للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

له النفاق العملي. كما ثبت في الصحيحين أن رسول الله قال: "تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، تلك صلاة المنافق، يجلس يَرْقُب الشمس، حتى إذا كانت بين قَرْنَي الشيطان قام فَنَقَرَ أربعًا لا يذكر الله فيها إلا قليلًا" (١). فهذا أَخَّرَ صلاة العصر التي هي الوسطى -كما ثبت به النصُّ- إلى آخر وقتها، وهو وقت كراهة، ثم قام إليها فنقرها نقر الغراب، لم يطمئن ولا خَشَع فيها أيضًا؛ ولهذا قال: "لا يذكر الله فيها إلا قليلًا". ولعله إنما حمله [على] (٢) القيام إليها مراءاة الناس لا ابتغاء وجه الله، فهو إذًا لم يصل بالكلية. قال تعالى: ﴿إِنَّ الْمُنَافِقِينَ يُخَادِعُونَ اللَّهَ وَهُوَ خَادِعُهُمْ وَإِذَا قَامُوا إِلَى الصَّلَاةِ قَامُوا كُسَالَى يُرَاءُونَ النَّاسَ وَلَا يَذْكُرُونَ اللَّهَ إِلَّا قَلِيلًا (١٤٢)[النساء]. وقال هاهنا: ﴿الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (٦)﴾.

وقال الطبراني: حدثنا يحيى بن عبد الله بن عبد ربه البغدادي، حدثني أبي، حدثنا عبد الوهاب بن عطاء، عن يونس، عن الحسن، عن ابن عباس، عن النبي قال: "إن في جهنم لواديًا، تستعيذ جهنم من ذلك الوادي في كل يوم أربعمائة مرة، أعدَّ ذلك الوادي للمرائين من أمة محمد: لحامل كتاب الله، وللمصَدِّق في غير ذات الله، وللحاج إلى بيت الله، وللخارج في سبيل الله" (٣).

وقال الإمام أحمد: حدثنا أبو نُعَيم، حدثنا الأعمش، عن عمرو بن مرة قال: كنا جلوسًا عند أبي عبيدة فذكروا الرياء، فقال رجل يكنى بأبي يزيد: سمعت عبد الله بن عمرو يقول: قال رسول الله : "من سَمَّع الناس بعمله، سَمَّع الله به سامعَ خلقه، وحَقَّره وصَغَّره" (٤).

ورواه أيضًا عن غُنْدَر ويحيى القطان، عن شعبة، عن عمرو بن مرة، عن رجل، عن عبد الله بن عمرو، عن النبي ، فذكره (٥).

ومما يتعلق بقوله تعالى: ﴿الَّذِينَ هُمْ يُرَاءُونَ (٦)﴾ أن من عمل عملًا لله فاطَّلع عليه الناس، فأعجبه ذلك، أن هذا لا يعد رياء، والدليل على ذلك ما رواه الحافظ أبو يعلى الموصلي في مسنده: حدثنا هارون بن معروف، حدثنا مخلد بن يزيد، حدثنا سعيد بن بشير، حدثنا الأعمش، عن أبي صالح، عن أبي هريرة قال: كنت أصلي، فدخل عليَّ رجل، فأعجبني ذلك، فذكرته لرسول الله ، فقال: "كُتب لك أجران: أجر السر، وأجر العلانية" (٦).

قال أبو علي هارون بن معروف: بلغني أن ابن المبارك قال: نعم الحديثُ للمرائين.


(١) أخرجه مسلم من حديث أنس . (الصحيح، المساجد ومواضع الصلاة، باب استحباب التبكير بالعصر ح ٦٦٢).
(٢) كذا في (ح) و (حم)، وفي الأصل صحف إلى: "إلى".
(٣) أخرجه الطبراني (المعجم الكبير ١٢/ ١٧٥ ح ١٢٨٠٣) وفي سنده عبد الوهاب بن عطاء وهو الخفاف: صدوق ربما أخطأ. (التقريب ص ٣٦٨) وذكر الهيثمي أنه لم يعرف شيخ الطبراني وأباه. (مجمع الزوائد ١٠/ ٢٢٥) وقال المنذري: رفع حديث ابن عباس غريب ولعله موقوف. (الترغيب والترهيب ١/ ٦٧).
(٤) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه، وصحح المحققون سنده. (المسند ١١/ ٥٦٦ ح ٦٩٨٦).
(٥) المسند ١١/ ٤٣٠ ح ٦٨٣٩ وصحح المحققون سنده.
(٦) سنده ضعيف لضعف سعيد بن بشير كما في التقريب وقد روي من طرق أخرى كما سيأتي.