للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وهكذا رُوي عن أنس، وأبي العالية، ومجاهد (١)، وغير واحدٍ من السلف: أن الكوثر: نهر في الجنة. وقال عطاء: هو حوض في الجنة (٢).

وقوله: ﴿فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢)﴾ أي: كما أعطيناك الخير الكثير في الدنيا والآخرة، ومن ذلك النهرُ الذي تقدم صفته، فأخلص لربك صلاتك المكتوبة والنافلة ونَحْرَك، فاعبده وحده لا شريك له، وانحر على اسمه وحده لا شريك له. كما قال تعالى: ﴿قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ (١٦٢) لَا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ وَأَنَا أَوَّلُ الْمُسْلِمِينَ (١٦٣)[الأنعام]، قال ابن عباس، وعطاء، ومجاهد، وعكرمة، والحسن: يعني بذلك نحر البُدْن ونحوها. وكذا قال قتادة، ومحمد بن كعب القرظي، والضحاك، والربيع، وعطاء الخراساني، والحكم، وإسماعيل بن أبي خالد، وغير واحد من السلف (٣). وهذا بخلاف ما كان المشركون عليه من السجود لغير الله، والذبح على غير اسمه، كما قال تعالى: ﴿وَلَا تَأْكُلُوا مِمَّا لَمْ يُذْكَرِ اسْمُ اللَّهِ عَلَيْهِ وَإِنَّهُ لَفِسْقٌ﴾ الآية [الأنعام: ١٢١].

وقيل: المراد بقوله: ﴿وَانْحَرْ﴾ وضع اليد اليمنى على اليسرى تحت النحر. يُروَى هذا عن علي، ولا يصح. وعن الشعبي مثله (٤).

وعن أبي جعفر الباقر: ﴿وَانْحَرْ﴾ يعني: ارفع اليدين عند افتتاح الصلاة (٥).

وقيل: ﴿وَانْحَرْ﴾ أي: استقبل بنحرك القبلة. ذكر هذه الأقوال الثلاثة ابن جرير.

وقد روى ابن أبي حاتم هاهنا حديثًا منكرًا جدًّا فقال: حدثنا وهب بن إبراهيم [الفامي] (٦) -سنة خمس وخمسين ومائتين- حدثنا إسرائيل بن حاتم المروزي، حدثنا مقاتل بن حيان، عن الأصبغ بن نباتة، عن علي بن أبي طالب قال: لما نزلت هذه السورة على النبي : ﴿إِنَّا أَعْطَيْنَاكَ الْكَوْثَرَ (١) فَصَلِّ لِرَبِّكَ وَانْحَرْ (٢)﴾ قال رسول الله: "يا جبريل، ما هذه النَّحيرة التي أمرني بها ربي؟ " فقال: ليست بنحيرة، ولكنه يأمرك إذا تحرمت للصلاة، ارفع يديك إذا كبرت وإذا ركعت، وإذا رفعت رأسك من الركوع، وإذا سجدت، فإنها صلاتنا وصلاة الملائكة الذين


(١) قول أنس تقدم، وقول أبي العالية أخرجه الطبري بسند جيد من طريق الربيع بن أنس. وقول مجاهد أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق عبد الوهاب عن مجاهد، وعبد الوهاب هو ابن مجاهد وهو ضعيف.
(٢) أخرجه ابن أبي شيبة بسند حسن من طريق فطر -وهو ابن خليفة- عن عطاء. (المصنف ٧/ ٤٤٣).
(٣) أخرجه الطبري بسند ثابت من طريق ابن أبي طلحة عن ابن عباس؛ وأخرجه عبد الرزاق بسند صحيح من طريق ابن أبي نجيح عن مجاهد؛ وأخرجه الطبري بسند حسن من طريق فطر عن عطاء؛ وأخرجه الطبري بسند حسن من طريق عطاء بن السائب عن سعيد بن جبير؛ وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عوف، وهو الأعرابي، عن الحسن؛ وأخرجه عبد الرزاق بسند صحيح عن معمر عن قتادة، وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق ابن وهب عن ابن زيد.
(٤) أخرجه الطبري بأسانيد من طريق عقبة بن ظبيان عن علي، ومن طريق عقبة بن ظهير، وهما واحد وقد سكت عنه البخاري في التاريخ الكبير وابن أبي حاتم في الجرح والتعديل، وأخرجه الطبري بسند صحيح من طريق عوف عن أبي القموص.
(٥) أخرجه الطبري بسند ضعيف من طريق جابر عن أبي جعفر الباقر، وجعفر هو الجعفي وهو ضعيف.
(٦) كذا في (ح) و (حم)، وفي الأصل صُحف إلى: العاصي.