للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

مسار الصفحة الحالية:

أُخبرتُ أن صاحبك هجاني؟ قال: لا، وربِّ هذا البيت ما هجاك. فولَّت وهي تقول: قد علمت قريش أني ابنة سيدها. قال: وقال الوليد في حديثه أو غيره: فعثَرَت أُم جميل في مِرْطها وهي تطوف بالبيت، فقالت: تَعس مُذَمَّم. فقالت أُم حكيم بنت عبد المطلب: إني لحصانُ فما أكلَّم، وثَقَافُ فما أعلَّم، وكلنا من بني العم، وقريش بعد أعلم (١).

وقال الحافظ أبو بكر البزار: حدثنا إبراهيم بن سعيد وأحمد بن إسحاق قالا: حدثنا أبو أحمد، حدثنا عبد السلام بن حرب، عن عطاء بن السائب، عن سعيد بن جُبَير، عن ابن عباس قال: لما نزلت ﴿تَبَّتْ يَدَا أَبِي لَهَبٍ وَتَبَّ (١)﴾ جاءت امرأة أبي لهب ورسول الله جالس، ومعه أبو بكر. فقال له أبو بكر: لو تَنَحَّيت لا تُؤذيك بشيء. فقال رسول الله : "إنه سَيُحال بيني وبينها". فأقبلت حتى وقفت على أبي بكر فقالت: يا أبا بكر، هجانا صاحبك. فقال أبو بكر: لا، وربّ هذه البنية ما نَطَق بالشعر ولا يتفوه به. فقالت: إنك لمصدق، فلما ولَّت قال أبو بكر : ما رأتك؟! قال: "لا، ما زال ملك يسترني حتى ولَّت".

ثم قال البزار: لا نعلمه يُروَى بأحسنَ من هذا الإسناد، عن أبي بكر (٢).

وقد قال بعض أهل العلم في قوله تعالى: ﴿فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (٥)﴾ أي: في عنقها حبل من نار [جهنم] (٣) تُرفَع به إلى شفيرها، ثم يرمى بها إلى أسفلها، ثم كذلك دائمًا.

قال أبو الخطاب بن دَحْية في كتابه التنوير -وقد رَوَى ذلك-: وعُبر بالمسد عن حبل الدلو، كما قال أبو حنيفة الدينوري في كتاب "النبات": كلّ مَسَد: رشاء، وأنشد في ذلك:

وَبَكْرَةً ومِحْوَرًا صِرَارًا … وَمَسَدًا مِنْ أبق مُغَارًا

قال: والأبقُ: القنَّبُ.

وقال الآخر:

يا مَسَدَ الخُوص تَعَوّذْ مني … إنْ تَكُ لَدْنًا لَيّنًا فإنِّي

ما شْئتَ مِنْ أشْمَطَ مُقْسَئِنّ

قال العلماء: وفي هذه السورة معجزة ظاهرة ودليل واضح على النبوة؛ فإنه منذ نزل قوله تعالى: ﴿سَيَصْلَى نَارًا ذَاتَ لَهَبٍ (٣) وَامْرَأَتُهُ حَمَّالَةَ الْحَطَبِ (٤) فِي جِيدِهَا حَبْلٌ مِنْ مَسَدٍ (٥)﴾ فأخبر عنهما بالشقاء وعدم الإيمان، لم يقيض لهما أن يؤمنا، ولا واحد منهما لا ظاهرًا ولا باطنًا، لا مُسرًّا ولا مُعلنًا، فكان هذا من أقوى الأدلة الباهرة على النبوة الظاهرة.

[آخر تفسير ﴿تَبَّتْ﴾، ولله الحمد والمنّة] (٤).


(١) تقدم تخريجه في تفسير سورة الإسراء آية ٤٥.
(٢) تقدم تخريجه في ثفسير سورة الإسراء آية ٤٥.
(٣) زيادة من (ح) و (حم).
(٤) زيادة من (ح) و (حم).