للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

إنما أمر رسول الله أن يتعوذ بهما، ولم يكن عبد الله يقرأ بهما (١).

ورواه عبد الله بن أحمد من حديث الأعمش، عن أبي إسحاق، عن عبد الرحمن بن يزيد قال: كان عبد الله يحكُّ المعوذتين من مصاحفه، ويقول: إنهما ليستا من كتاب الله. قال الأعمش: وحدثنا عاصم، عن زرِّ بن حبيش، عن أُبي بن كعب قال: سألنا عنهما رسول الله ، قال: "قيل لي، فقلت" (٢).

وهذا مشهور عند كثير من القراء والفقهاء: أن ابن مسعود كان لا يكتب المعوذتين في مصحفه، فلعله لم يسمعهما من النبي ، ولم يتواتر عنده (٣)، ثم لعله قد رجع عن قوله ذلك إلى قول الجماعة، فإن الصحابة ، كتبوهما في المصاحف الأئمة، ونفذوها إلى سائر الآفاق كذلك، ولله الحمد والمنة.

وقد قال مسلم في صحيحه: حدثنا قتيبة، حدثنا جرير، عن بيان، عن قيس بن أبي حَازم، عن عقبة بن عامر قال: قال رسول الله : "ألم تر آيات أنزلت هذه الليلة لم يُر مثلهن قط: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١)﴾ و ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١)﴾ " (٤).

ورواه أحمد، ومسلم أيضًا، والترمذي، والنسائي، من حديث إسماعيل بن أبي خالد، عن قيس بن أبي حازم، عن عقبة، به. وقال الترمذي: حسن صحيح (٥).

طريق أخرى: قال الإمام أحمد: حدثنا الوليد بن مسلم، حدثنا ابن جابر، عن القاسم أبي عبد الرحمن، عن عُقبة بن عامر قال: بينا أنا أقود برسول الله في نَقب من تلك النقاب، إذ قال لي: "يا عقبة، ألا تَركب؟ ". قال: [فَأجْلَلْتُ رسول الله أن أركب مركبه. ثم قال: "يا عُقيب، ألا تركب؟ ". قال] (٦): فأشفقت أن تكون معصية، قال: فنزل رسول الله وركبت هنيهة، ثم ركب، ثم قال: "يا عُقيب، ألا أُعلمك سورتين من خير سورتين قرأ بهما الناس؟ ". قلت: بلى يا رسول الله. فأقرأني: ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ الْفَلَقِ (١)﴾ و ﴿قُلْ أَعُوذُ بِرَبِّ النَّاسِ (١)﴾. ثم أقيمت الصلاة، فتقدم رسول الله فقرأ بهما، ثم مرَّ بي فقال: "كيف رأيت يا عقيب؟ اقرأ بهما كلما نمت وكلما قمت" (٧).

ورواه [النسائي] (٨) من حديث الوليد بن مسلم وعبد الله بن المبارك كلاهما عن ابن


(١) يشهد له ما يليه.
(٢) أخرجه عبد الله ابن الإمام أحمد في زوائده على المسند من طريق الأعمش به، وصحح سنده محققوه. (المسند ٣٥/ ١١٧، ح ٢١١٨٨).
(٣) وبهذا أجاب الحافظ ابن حجر عن هذا الإشكال. (فتح الباري ٨/ ٧٤٣).
(٤) أخرجه مسلم بسنده ومتنه. (الصحيح، صلاة المسافرين، باب فضل قراءة المعوذتين ح ٨١٤).
(٥) (المسند ٤/ ١٥٢ والمصدر السابق، وسنن الترمذي، فضائل القرآن، باب ما جاء في المعوذتين ح ٢٩٠٢)؛ وسنن النسائي ٢/ ١٥٨.
(٦) زيادة من المسند.
(٧) أخرجه الإمام أحمد بسنده ومتنه. (المسند ٤/ ١٤٤) وسنده حسن؛ وقد حسنه الألباني كما سيأتي.
(٨) كذا في (ح) و (حم)، وفي الأصل حُرِّف إلى: الترمذي.