للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

وقوله (تعالى) (١): ﴿لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا﴾ أي: من القرى.

قال ابن عباس: يعني جعلناها بما أحللنا بها من العقوبة عبرةً لما حولها من القرى؛ كما قال تعالى: ﴿وَلَقَدْ أَهْلَكْنَا مَا حَوْلَكُمْ مِنَ الْقُرَى وَصَرَّفْنَا الْآيَاتِ لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ (٢٧)[الأحقاف] ومنه قوله تعالى: ﴿أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا نَأْتِي الْأَرْضَ نَنْقُصُهَا مِنْ أَطْرَافِهَا … ﴾ الآية [الرعد: ٤١] على أحد الأقوال.

فالمراد: ﴿لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا﴾ في المكان، كما قال محمد بن (٢) إسحاق، عن داود بن الحصين، عن عكرمة، عن ابن عباس: ﴿لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا﴾ من القرى، ﴿وَمَا خَلْفَهَا﴾ من القرى.

وكذا قال سعيد (٣) بن جبير: ﴿لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا﴾ (قال) (٤): (من) (٥) بحضرتها من الناس يومئذٍ.

وروي عن إسماعيل (٦) بن أبي خالد، وقتادة، وعطية العوفي: ﴿فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا﴾ قال: ما (كان) (٧) قبلها من الماضيين في شأن السبت.

وقال أبو العالية (٨)، والربيع (٩)، وعطية (١٠): وما خلفها (لمن) (١١) بقي بعدهم من الناس من بني إسرائيل أن يعملوا مثل عملهم، وكأن هؤلاء يقولون: المراد ﴿لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا﴾ في الزمان.

وهذا مستقيم بالنسبة إلى من يأتي بعدهم من الناس، أن يكون أهل تلك القرية عبرةً لهم، وأما بالنسبة إلى من سلف قبلهم من الناس فكيف يصح هذا الكلام أن تفسر الآية به؛ وهو أن يكون عبرةً لمن سبقهم (١٢)؟

وهذا لعل أحدًا من الناس لا يقوله بعد تصوره؛ فتعين أن المراد بما بين يديها وما خلفها في المكان؛ وهو ما حولها من القرى؛ كما قاله ابن عباس، وسعيد بن جبير. والله أعلم.

وقال أبو جعفر (١٣) الرازي، عن الربيع (١٤) [بن أنس، عن أبي العالية: ﴿فَجَعَلْنَاهَا نَكَالًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهَا وَمَا خَلْفَهَا﴾ أي: عقوبةً لما خلا (من ذنوبهم) (١٥)] (١٤).


(١) من (ن).
(٢) أخرجه ابن جرير (١١٥٦)؛ وابن أبي حاتم (٦٨١) وسنده ضعيف.
(٣) أخرجه ابن أبي حاتم (٦٨٤) قال: ذكر لي عن سعيد بن أبي مريم، أخبرني ابن لهيعة حدثني عطاء بن دينار، عن سعيد بن جبير فذكره. وسنده ضعيف للانقطاع بين ابن أبي حاتم وسعيد بن أبي مريم. وأيضًا فقد تكلم النسائي في رواية عطاء بن دينار التفسير عن سعيد بن جبير، ويمكن أن يجاب عن ذلك بأنها وجادة صحيحة. والله أعلم.
(٤) ساقط من (ز) و (ض).
(٥) ساقط من (ج).
(٦) أخرجه ابن أبي حاتم (٦٨٣) بسند صحيح.
(٧) ساقط من (ز) و (ن).
(٨) أخرجه ابن أبي حاتم (٦٨٦). [وسنده جيد].
(٩) أخرجه ابن جرير (١١٥٥). [ويشهد له سابقه].
(١٠) أخرجه ابن أبي حاتم (٦٨٨) وإسناده لا بأس به.
(١١) في (ز) و (ن): "لما".
(١٢) وقال ابن عطية في "تفسيره" (١/ ٣٣٩) نحوًا من هذا الكلام.
(١٣) أخرجه ابن جرير (١١٥٥)؛ وابن أبي حاتم (٦٨٢) وسنده حسن كما تقدم ذكره.
(١٤) ساقط من (ج).
(١٥) في (ز) و (ض): "من دونهم".