للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

ومضمون ما فسر به هؤلاء الأئمة هذه الآية: أن الله تعالى يذكر شرف البيت، وما جعله موصوفًا به شرعًا وقدرًا، من كونه مثابة للناس؛ أي: جعله محلًا تشتاق إليه الأرواح وتحن إليه، ولا تقضى منه وطرًا، ولو ترددت إليه كل عام، استجابة من الله تعالى لدعاء خليله إبراهيم في قوله: ﴿فَاجْعَلْ أَفْئِدَةً مِنَ النَّاسِ تَهْوِي إِلَيْهِمْ﴾ إلى أن قال: ﴿رَبَّنَا وَتَقَبَّلْ (دُعَاءِ) (١)[إبراهيم: ٣٧ - ٤٠] ويصفه تعالى بأنه جعله أمنًا، من دخله أمن، ولو كان قد فعل ما فعل ثم دخله كان آمنًا.

وقال عبد الرحمن بن زيد بن أسلم (٢): كان الرجل يلقى قاتل أبيه أو أخيه فيه فلا يعرض له. كما وصفها في سورة المائدة بقوله: (تبارك و) (٣) تعالى: ﴿جَعَلَ اللَّهُ الْكَعْبَةَ الْبَيْتَ الْحَرَامَ قِيَامًا لِلنَّاسِ﴾ [المائدة: ٩٧] أي: (يدفع) (٤) عنهم (بسبب) (٥) تعظيمها السوء، كما قال ابن عَبَّاس: لو لم يحج الناس هذا البيت لأطبق الله السماء على الأرض؛ وما هذا الشرف إلا لشرف بانيه أولًا وهو خليل الرحمن، كما قال تعالى: ﴿وَإِذْ بَوَّأْنَا لإِبْرَاهِيمَ مَكَانَ الْبَيْتِ أَنْ لَا تُشْرِكْ بِي شَيْئًا﴾ [الحج: ٢٦] وقال تعالى: ﴿إِنَّ أَوَّلَ بَيْتٍ وُضِعَ لِلنَّاسِ لَلَّذِي بِبَكَّةَ مُبَارَكًا وَهُدًى لِلْعَالَمِينَ (٩٦) فِيهِ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ مَقَامُ إِبْرَاهِيمَ وَمَنْ دَخَلَهُ كَانَ آمِنًا﴾ [آل عمران: ٩٦، ٩٧].

وفي هذه الآية الكريمة نبه على مقام إبراهيم مع الأمر بالصلاة عنده، فقال: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ وقد اختلف المفسرون في المراد بالمقام ما هو؟

فقال ابن أبي حاتم (٦): حَدَّثَنَا عمر بن شبة النميري، حَدَّثَنَا أبو خلف - يعني: عبد الله بن عيسى - حَدَّثَنَا داود بن أبي هند، عن مجاهد، عن ابن عباس: ﴿وَاتَّخِذُوا مِنْ مَقَامِ إِبْرَاهِيمَ مُصَلًّى﴾ قال: مقام إبراهيم: الحرم كله. وروي عن مجاهد (٧) وعطاء (٨) مثل ذلك.

وقال (٩) (أيضًا) (١٠): حَدَّثَنَا الحسن بن محمد بن الصباح، حَدَّثَنَا حجاج، عن ابن جريج،


(١) في (ج) و (ل): "دعائي". بإثبات الياء وهي قراءة حمزة الزيات وأبي عمرو بن العلاء وورش وأبي جعفر وصلًا، والبزي ويعقوب وصلًا ووقفًا.
(٢) أخرجه ابن جرير (١٩٧٩) بسند صحيح.
(٣) من (ل).
(٤) في (ز) و (ض): "يرفع".
(٥) في (ل): "لسبب".
(٦) في "تفسيره" (١٢٠٧) وعزاه السيوطي في "الدر المنثور" (١/ ١١٩) لـ "عبد بن حميد" وسنده ضعيف جدًّا وعبد الله بن عيسى تالف. فقال النسائي: "ليس بثقة". وقال أبو زرعة: "منكر الحديث" وقال ابن عدي: "يروى عن داود بن أبي هند ما لا يوافقه عليه الثقات، أحاديثه أفراد كلها". والكلام فيه طويل الذيل.
(٧) أخرجه سعيد بن منصور في "تفسيره" (٢١٤)؛ والفاكهي في "أخبار مكة" (٩٧٢) قال حَدَّثَنَا محمد بن أبي عمر قالا: ثنا سفيان، هو ابن عيينة، عن ابن أبي نجيح، زاد سعيد: وغيره، عن مجاهد فذكر الآية وقال: "الحج كله مصلًى ومدعى" وسنده صحيح؛ وأخرجه ابن جرير (٢٠٠٤) من وجه آخر عن ابن عيينة.
(٨) أخرجه ابن جرير (١٩٩٢) بلفظ: "الحج كله مقام إبراهيم". [وسنده صحيح].
(٩) يعني ابن أبي حاتم. والخبر في "تفسيره" (١٢٠٦)؛ وأخرجه الفاكهي في "أخبار مكة" (٩٧١) قال: حَدَّثَنَا الحسن بن محمد الزعفراني بهذا الإسناد سواء بطوله. وسنده صحيح؛ وأخرجه عبد الرزاق في "تفسيره" (١/ ٥٩) ومن طريق ابن جرير (١٩٩٠) قال: نا ابن جريج عن عطاء قال: الحج كله مقام إبراهيم.
(١٠) من (ن).