للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

[جعله من تمام دعاء إبراهيم، وهي قراءة شاذة، مخالفة للقراء السبعة، وتركيب السياق يأبى (معناها) (١)، واللّه أعلم، فإن الضمير في ﴿قَالَ﴾ راجع إلى الله تعالى في قراءة الجمهور، والسياق يقتضيه، وعلى هذه القراءة الشاذة، يكون الضمير عائدًا على إبراهيم، وهو خلاف نظم الكلام، والله سبحانه هو العلام] (٢).

وأما قوله تعالى: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ (١٢٧) رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ وَأَرِنَا مَنَاسِكَنَا وَتُبْ عَلَيْنَا إِنَّكَ أَنْتَ التَّوَّابُ الرَّحِيمُ (١٢٨)﴾ فالقواعد: جمع قاعدة، وهي السارية والأساس، يقول تعالى: واذكر - يا محمد - لقومك بناء إبراهيم وإسماعيل ، البيت، ورفعهما القواعد منه، وهما يقولان: ﴿رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا إِنَّكَ أَنْتَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ﴾ [وحكى القرطبي (٣) وغيره عن أُبي وابن مسعود أنهما كانا يقرآن: وإذ يرفع إبراهيم القواعد من البيت وإسماعيل ويقولان: ربنا تقبل منا إنك أنت السميع العليم.

قلت: ويدل على هذا قولهما بعده: ﴿رَبَّنَا وَاجْعَلْنَا مُسْلِمَيْنِ لَكَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِنَا أُمَّةً مُسْلِمَةً لَكَ﴾ الآية] (٤).

فهما في عمل صالح، وهما يسألان الله تعالى أن يتقبل منهما، كما روى ابن أبي حاتم (٥) من حديث محمد بن يزيد بن خنيس المكي، عن وهيب بن الورد: أنه قرأ: ﴿وَإِذْ يَرْفَعُ إِبْرَاهِيمُ الْقَوَاعِدَ مِنَ الْبَيْتِ وَإِسْمَاعِيلُ رَبَّنَا تَقَبَّلْ مِنَّا﴾ ثم يبكي ويقول: يا خليل الرحمن، ترفع قوائم بيت الرحمن وأنت مشفق أن لا يتقبل منك؟. وهذا كما حكى الله تعالى عن حال المؤمنين (الخلص) (٦) في قوله تعالى: ﴿وَالَّذِينَ يُؤْتُونَ مَا آتَوْا﴾ أي: يعطون ما أعطوا من الصدقات والنفقات والقربات ﴿وَقُلُوبُهُمْ وَجِلَةٌ﴾ [المؤمنون: ٦٠] أي: خائفة ألا يتقبل منهم. كما جاء به الحديث الصحيح، عن عائشة، عن رسول الله كما سيأتي في موضعه (٧).

وقال بعض المفسرين: الذي كان يرفع القواعد هو إبراهيم، والداعي إسماعيل: والصحيح أنهما كانا يرفعان ويقولان، كما سيأتي بيانه.

وقد روى البخاري ها هنا حديثًا سنورده ثم نتبعه بآثار متعلِّقةٌ بذلك، قال البخاري (٨) :

حَدَّثَنَا عبد الله بن محمد، حَدَّثَنَا عبد الرزاق، حَدَّثَنَا معمر، عن أيوب السختياني، وكثير بن كثير بن المطلب بن أبي وداعة - يزيد أحدهما على الآخر - عن سعيد بن جبير، عن ابن


(١) ساقط من (ل)؛ وفي (ك): "معناه".
(٢) ساقط من (ز) و (ض) و (ى). واستدركته من (ج) و (ك) و (ل) و (ن).
(٣) في "تفسيره" (٢/ ١٢٦).
(٤) ساقط من (ز) و (ض) و (ى).
(٥) في "تفسيره" (١٢٥٠) ومن طريق أبي بكر بن محمد بن يزيد بن خنيس وابن أبي زياد قالا: ثنا محمد بن يزيد بن خنيس به. والراويان عن محمد بن يزيد لم أقف لهما على ترجمة. ومحمد بن يزيد بن خنيس وثقه أبو حاتم الرازي كما في "الجرح والتعديل" (٤/ ١/ ١٢٧) وذكره ابن حبان في "الثقات" (٩/ ٦١) وقال: "ربما أخطأ، يعتبر بحديثه إذا بين السماع في خبره ولم يرو عنه إلا ثقة" ومع ذلك فقد قال الحافظ فيه "مقبول"!
(٦) في (ز) و (ض): "المخلصين".
(٧) من تفسير سورة المؤمنون الآية [٦٠].
(٨) في "كتاب الأنبياء" (٦/ ٣٩٦ - ٣٩٨) من طريق عبد الرزاق وهذا في "المصنف" (ج ٥/ رقم ٩١٠٧) بسنده سواء؛ وأخرجه البخاري أيضًا في "كتاب المساقاة" (٥/ ٤٣) بهذا الإسناد مختصرًا.