للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

الروم، فتحطمت، فأخذوا خشبها فأعدوه لتسقيفها. وكان بمكة رجل قبطي نجار، فهيأ لهم في أنفسهم بعض ما يصلحها، وكانت حية تخرج من بئر الكعبة التي كانت (تطرح) (١) فيها ما يهدى لها كل يوم، (فتتشرق) (٢) على جدار الكعبة، وكانت مما يهابون. وذلك أنه كان لا يدنو منها أحد إلا (احزألت) (٣) وكشت (٤) وفتحت فاها، فكانوا يهابونها، فبينا هي يومًا (تتشرق) (٥) على جدار الكعبة، كما كانت تصنع، بعث الله إليها طائرًا فاختطفها، فذهب بها. فقالت قريش: إنا لنرجو أن يكون الله قد رضي ما أردنا، عندنا عامل رفيق، وعندنا خشب، وقد كفانا الله الحية.

فلما أجمعوا أمرهم في هدمها وبنيانها، قام (أبو وهب) (٦) بن عمرو بن عائذ بن عبد عمران بن مخزوم، فتناول من الكعبة حجرًا، فوثب من يده حتَّى رجع إلى موضعه. فقال: يا معشر قريش، لا تدخلوا في بنيانها من كسبكم إلا طيبًا، لا يدخل فيها مهر بغي ولا بيع ربا، ولا مظلمة أحد من الناس.

قال ابن إسحاق: والناس ينحلون هذا الكلام الوليد بن المغيرة بن (عبد الله بن عمر) (٧) بن مخزوم.

قال: ثم إن قريشًا تجزأت الكعبة، فكان شق الباب لبني عبد مناف وزهرة، وكان ما بين الركن الأسود والركن اليماني لبني مخزوم وقبائل من قريش انضموا إليهم، وكان ظهر الكعبة لبني جُمح وسهم، وكان شق الحجر لبني عبد الدار بن قصي، ولبني أسد بن عبد العزى بن قصي، ولبني عدي بن كعب بن لؤي، وهو الحطيم.

ثم إن الناس هابوا هدمها (وفرقوا) (٨) منه، فقال الوليد بن المغيرة: أنا أبدؤكم في هدمها: فأخذ المعول ثم قام عليها وهو يقول: اللهم لم ترع، اللهم إنا لا نريد إلا الخير. ثم هدم من ناحية الركنين، فتربص الناس تلك الليلة، وقالوا: ننظر، فإن أصيب لم نهدم منها شيئًا، ورددناها كما كانت، وإن لم يصبه شيء فقد رضي الله ما صنعنا. فأصبح الوليد من ليلته غاديًا على عمله، فهدم وهدم الناس معه، حتَّى (إذا) (٩) انتهى الهدم (بهم) (١٠) إلى الأساس، أساس إبراهيم ، أفضوا إلى حجارة خضر كالأسنة آخذ بعضها بعضًا.

قال (محمد بن إسحاق) (١١): فحدثني بعض من يروي الحديث: أن رجلًا من قريش، ممن كان يهدمها، أدخل عتلةً بين حجرين منها ليقلع بها أحدهما، فلما تحرك الحجر تنقضت مكة بأسرها، فانتهوا عن ذلك الأساس.


(١) في (ج): "يطرح".
(٢) في (ل): "فتشرف". وتتشرق؛ يعني: تتعرض للشمس.
(٣) في (ج) و (ل): "اخزالت". واحزألت: اجتمعت واستوفزت للوثوب ومنه قول الطرماح:
ولو خرج الدجال ينشر دينه … لزافت تميم حوله واحزألت
يعني: اجتمعت إليه كما في "لسان العرب" (ص ٨٥٩).
(٤) كشيش الأفعى: صوت جلدها، وصوت فمها، هو: الفحيح. ومنه قول الراجز:
كشيش أفعى أجمعت لعض … فهي تحك بعضها ببعض
(٥) في (ج) و (ل): "تشرف".
(٦) كتب ابن المحب ناسخ (ج): "حاشية: أبو وهب كان خال والد النَّبِيّ ، وكان شريفًا ممدحًا". انتهى.
(٧) في (ك): "عمر بن عبد الله".
(٨) في (ل): "خافوا" وهو بمعنى.
(٩) ساقط من (ز) و (ض).
(١٠) ساقط من (ز) و (ض).
(١١) من (ج) و (ل).